بحثت عن الراعية الزاهدة طويلاً ، حتى زرت إحدى آثار المدن المندثرة فوق الجبال ؛ فإذا هي مستقرة في إحدى حجرات المبنى ، فسلمت عليها وخرجت منها.
وقالت: وعليكم السلام ، وجلست مرتكزة على جانب الغرفة .
فقلت: ما الذي جاء بكِ في هذا المكان الخالي الذي عفى الدهر عليه، وعلى أهله.
فقالت: اقتربت منه واغتربت في رؤوس الجبال ، فقد زهدت في ملتقيات الناس .
قلت: عسى ألا أكون منهم ؟
قالت: بلى ، ولكن أحمل نفسي على الصبر في محادثتك .
قلت: جزاكِ الله خيرا.
وقلت: لقد صادف مأواك لهذه المباني هوى في نفسي، فأنا أميل إلى الوقوف على هذه المباني لا سيما القديمة المندثرة التي لا معالم لها تحدد زمانها ، ولماذا كانت هذه المدن الحجرية في رؤوس الجبال؟
قالت: والله لا علم لي .
قلت: تهيئتك الحجرة ، وتنظيمك لها يوحي بميلك للاستقرار فيها.
قالت: أنا ابنة فلاحين ، ولست بدوية .
قلت: أين وكيف ؟
قالت: كنا في مطلع الشمس من جبل حضن المعروف.
فقلت: والله أنكِ أذهلتيني تقولين أنكِ من (تربة) و (حضن) والآن أنت في أطراف جبال السروات شمالاً .
قالت: يروي والدي ووالدتي رحمهما الله : أنهما كانا في البادية في زمن شبابهما وفي إحدى السنوات تكاثفت الأمطار على تلك الديار ، فحفر والدي ثميلة في تلعة من تلاع حضن وأستقر حولها ، ثم أراد أن يملكها ، فزرع نخيلات حولها وزرع حبوبا ، فبارك الله في زراعته مما جذبه إلى الاستقرار ، ففكر في بناء حائط حول مزرعته ، وكان قد أستقر بجانب (نزل) فطلب منهم (العونة) لبناء حائطا حول المزرعة ، فتجمع رجال النزل وأخذوا يعملون ، فمنهم البناء ، ومنهم من يجلب الحجارة ، ومنهم من يرفعها ، وقد أخذت أمي تعد الإفطار لهم، وأجتمع معها بعض نساء الحي يأتين بالحطب ، والماء ، وأخذن يصنعن الأخباز ، والأولاد يأخذونها مع السمن والعسل لرجال العونة ، ثم ذبح والدي ذبيحة وبعد الظهيرة أعدها لهم ، فتناول الجميع تلك في ما يقارب العصر ، ولم يلبثوا حتى أكتمل الحائط مع الأصيل .
قلت: وهل أقتفى آثر والدك أحد بالبناء ؟
قالت: نعم ، فقد أخذ البناء يغزو التلاع، وأحضان الجبل بالطريقة ذاتها حتى تكونت بلدة .
قلت: وهل كنت في زمن الشباب تعيشين في خيام الشعر؟
قالت: لا ، ففي فترة وجيزة أخذا يبنون الحجرات المشابهة لمانحن فيه ، بجانب مزارعهم .
قلت: هل استدعوا عمالة خارجية لبناء الحجرات ؟
قالت: تروى والدتي: أن الأبنية تقوم بالعونة بين رجال الحي ، وهم يلبون النداء ، حتى تحول الناس من خيام إلى مباني حجرية .
قلت: معنى ذلك أنك : أبنة قرية وفلاحة .
قالت: نعم .
وقلت: وهل شهدت عمل حُجرات ، وقيام قرى ومزارع؟
قالت: نعم .
وقلت: وهل ترين أن بناء هذه المباني القديمة الجميلة البناء بالحجارة المصنعة : من باب التعاون .
قالت: أكاد أجزم أن البناء القديم قام على التعاون .
قلت: وحفر الآبار والثمائل ؛ وهل فيه نوع من التعاون؟
قالت: كلها قامت على التعاون ، فهم يحفرون البئر متعاونين ، ثم يطوونها بعونة أخرى ، فالعونة هي أساس الأعمال الأخرى .
قلت: هل زرتِ هذه بعد عزلتك وغربتك ؟
قالت: تصبرت عن زيارتها أكثر من ثلاثمائة سنة ، ثم زرتها ، فإذا بهذه الديار قد اندثرت والحجارة بليت وتناثرت، والمعالم الزراعية طمرت ، فسبحان الله مقدر الأقدار ، فبكيت البشر، وبكيت الديار ، وقلبت الأطلال ، وصعدت بشويهاتي إلى أعالي الجبل، ومكثت أشهر والدموع لم تفارق عيني، وتارة أفقد الوعي بعد نشيج طويل.
ثم قالت: قد ذكرتني بألوان أخرى لتعاون النساء ، وتعاون الرجال ، لا نستطيع أن نتحدث عنها في جلسة واحدة ، فصلاة الظهر قد وجبت منذ ساعة .
وقالت: وعليكم السلام ، وجلست مرتكزة على جانب الغرفة .
فقلت: ما الذي جاء بكِ في هذا المكان الخالي الذي عفى الدهر عليه، وعلى أهله.
فقالت: اقتربت منه واغتربت في رؤوس الجبال ، فقد زهدت في ملتقيات الناس .
قلت: عسى ألا أكون منهم ؟
قالت: بلى ، ولكن أحمل نفسي على الصبر في محادثتك .
قلت: جزاكِ الله خيرا.
وقلت: لقد صادف مأواك لهذه المباني هوى في نفسي، فأنا أميل إلى الوقوف على هذه المباني لا سيما القديمة المندثرة التي لا معالم لها تحدد زمانها ، ولماذا كانت هذه المدن الحجرية في رؤوس الجبال؟
قالت: والله لا علم لي .
قلت: تهيئتك الحجرة ، وتنظيمك لها يوحي بميلك للاستقرار فيها.
قالت: أنا ابنة فلاحين ، ولست بدوية .
قلت: أين وكيف ؟
قالت: كنا في مطلع الشمس من جبل حضن المعروف.
فقلت: والله أنكِ أذهلتيني تقولين أنكِ من (تربة) و (حضن) والآن أنت في أطراف جبال السروات شمالاً .
قالت: يروي والدي ووالدتي رحمهما الله : أنهما كانا في البادية في زمن شبابهما وفي إحدى السنوات تكاثفت الأمطار على تلك الديار ، فحفر والدي ثميلة في تلعة من تلاع حضن وأستقر حولها ، ثم أراد أن يملكها ، فزرع نخيلات حولها وزرع حبوبا ، فبارك الله في زراعته مما جذبه إلى الاستقرار ، ففكر في بناء حائط حول مزرعته ، وكان قد أستقر بجانب (نزل) فطلب منهم (العونة) لبناء حائطا حول المزرعة ، فتجمع رجال النزل وأخذوا يعملون ، فمنهم البناء ، ومنهم من يجلب الحجارة ، ومنهم من يرفعها ، وقد أخذت أمي تعد الإفطار لهم، وأجتمع معها بعض نساء الحي يأتين بالحطب ، والماء ، وأخذن يصنعن الأخباز ، والأولاد يأخذونها مع السمن والعسل لرجال العونة ، ثم ذبح والدي ذبيحة وبعد الظهيرة أعدها لهم ، فتناول الجميع تلك في ما يقارب العصر ، ولم يلبثوا حتى أكتمل الحائط مع الأصيل .
قلت: وهل أقتفى آثر والدك أحد بالبناء ؟
قالت: نعم ، فقد أخذ البناء يغزو التلاع، وأحضان الجبل بالطريقة ذاتها حتى تكونت بلدة .
قلت: وهل كنت في زمن الشباب تعيشين في خيام الشعر؟
قالت: لا ، ففي فترة وجيزة أخذا يبنون الحجرات المشابهة لمانحن فيه ، بجانب مزارعهم .
قلت: هل استدعوا عمالة خارجية لبناء الحجرات ؟
قالت: تروى والدتي: أن الأبنية تقوم بالعونة بين رجال الحي ، وهم يلبون النداء ، حتى تحول الناس من خيام إلى مباني حجرية .
قلت: معنى ذلك أنك : أبنة قرية وفلاحة .
قالت: نعم .
وقلت: وهل شهدت عمل حُجرات ، وقيام قرى ومزارع؟
قالت: نعم .
وقلت: وهل ترين أن بناء هذه المباني القديمة الجميلة البناء بالحجارة المصنعة : من باب التعاون .
قالت: أكاد أجزم أن البناء القديم قام على التعاون .
قلت: وحفر الآبار والثمائل ؛ وهل فيه نوع من التعاون؟
قالت: كلها قامت على التعاون ، فهم يحفرون البئر متعاونين ، ثم يطوونها بعونة أخرى ، فالعونة هي أساس الأعمال الأخرى .
قلت: هل زرتِ هذه بعد عزلتك وغربتك ؟
قالت: تصبرت عن زيارتها أكثر من ثلاثمائة سنة ، ثم زرتها ، فإذا بهذه الديار قد اندثرت والحجارة بليت وتناثرت، والمعالم الزراعية طمرت ، فسبحان الله مقدر الأقدار ، فبكيت البشر، وبكيت الديار ، وقلبت الأطلال ، وصعدت بشويهاتي إلى أعالي الجبل، ومكثت أشهر والدموع لم تفارق عيني، وتارة أفقد الوعي بعد نشيج طويل.
ثم قالت: قد ذكرتني بألوان أخرى لتعاون النساء ، وتعاون الرجال ، لا نستطيع أن نتحدث عنها في جلسة واحدة ، فصلاة الظهر قد وجبت منذ ساعة .