الاصطدام مع الذوق العام
لطالما سمعت في صغري قولهم (( كل ما يعجبك، وألبس ما يعجب الناس)) وكم كنت انتقد هذه المقولة، ولكن مع نفسي فقط ..
ويا للعجب كيف أقيد رغبتي في ثيابي بما يعجب الناس ويروق لهم؟ وهل أقف بباب خياط الملابس وأنادي على المارة ليدلوني على ما يحبونه من قماش لأفصل ثوبي منه؟ عجباً والله..
ولكن عندما وعيتْ هذه الحكمة في كبري وجدتها أبعد من ذلك وأوسع إنها تعني التقيد والخضوع لسلطانٍ يحكمنا غير مرئي لنا، ولكنه محسوس ومتعارف عليه .. ألا وهو الذوق العام، وما يتطلبه من مراعاة، ومداراة وانسجام المرء مع من حوله من الناس.
ونريد أن نتطرق إلى إيضاح العنوان أولاً ..
فالاصطدام : مأخوذ من (صدمه_ يصدمه_ صدماً) أي دفعه وضربه بجسده ...
وقد قلبت تاء الافتعال هنا طاءً ؛ ثم ما هو الذوق العام؟
إنه نمط الحياة بما يتخللها من عادات وتقاليد وأعراف سائدة في مجتمع ٍ ما، وهو ما تعارف عليه المجتمع من نظمٍ غير مكتوبة، ولم تقررها جهات تشريعية أو تنظيمية أو دينية أو مدنية أو غيرها..
ولو رجعنا لكلمة (الذوق) بهذا المعنى في المعاجم اللغوية لما وجدنا لها تفسيراً حول ما نقصده بها هنا ، لأنها في المعاجم تدور حول (ذاق _ يذوق) ويقصد به أختبار الطعم .
إن معناها الجديد حديث في قاموس الإنسانية بعد حقب من التطور الاجتماعي والحضاري..
ثم لماذا أضفنا إليها وصف (العام) فقلنا (الذوق العام) ؟ ما ذلك إلا لأن هناك ذوق خاص لكل إنسان بمفرده سواء في مأكله أو مشربه أو ملبسه أو فيما يحب أو يكره، فالشخص قد يختلف عن أشقائه في الأسرة الواحدة بذوقه الخاص في أمرٍ ما.
إنك ترى لدى بائع الأطعمة عشرات الأنواع، ولدى باع الأقمشة مئات الألوان، والأشكال، وكلها تنفذ؛ لماذا؟ لأنها تدخل في خصوصية كل إنسان وذوقه ، أما العام فيشترك فيه أكثر من شخص . ومن المعلوم أن العمومية التي نشير إليها هي عمومية نسبية أي تتدرج وتتسع دوائرها من دائرةٍ إلى أخرى، فالأسرة أعم من الفرد، والقبيلة والعشيرة أعم من الأسرة، والقرية أعم من العشيرة، والمدينة أعم من القرية، والقطر أو الدولة أعم من المدينة، والأمة أعم من الدولة، وهكذا. فلكل شعب خصوصية فيما يراه موافقاً أو منافياً للذوق العام ، وما يرى في مكانٍ موافقاً، قد يرى في مكان آخر منافياً.
ما هي أهمية الذوق العام؟
يمكن أن نقول إن الذوق العام عرف يساوي القوانين، إلهيه أو بشرية في أهميته لتنظيم المجتمع، وبث التآخي، والتفاهم، والانسجام بين الأفراد والمجتمعات ، في حين أن الاصطدام به أو عدم مراعاته يولد النفور، والاشمئزاز، والفرقة بين المجتمع أياً كان نوع هذا الاصطدام سواءً كان فعلا ً أو قولاً أو تصرفاً فيه خدش للحياء وخروج عن المألوف، وتختلف درجة هذا الاصطدام من خفيف إلى وسط إلى قوي ، وبالتالي تكون النتائج حسب درجة هذا الاصطدام.
ولو عدنا إلى تاريخنا المجيد لوجدنا الكثير من الحوادث والمواقف التي تدخل في هذا النطاق من ذلك موقف حبيبنا المصطفي صلى الله عليه وسلم من الرجل الذي أمسك به من تلابيبه وسحبه بقوة ورفع صوته بمطلبه؛ وكذلك الرجل الذي بال في ركن من مسجده صلى الله عليه وسلم، وكيف عالج رسولنا الأمر بالرفق أمام إنكار الصحابة، وغضبهم من تصرفات تنافي الذوق العام.
ولو نظرنا في هذا العصر إلى المجتمعات لوجدناها تتماشى مع الذوق العام بقدر ما تبلغه من رقي، وتحضر ، ونظم مدنية، وهذا مشاهد فيما تتحلى به بعض المجتمعات من أدب في التعامل، وحرص على المجاملة، ومراعاه شعور الآخرين، وامتثال للصفوف والطوابير، وعدم التعرض لخصوصية الآخرين، وغير ذلك من أخلاق وآداب عامة تدخل في مسمى الذوق العام ونستطيع أن نستطلع هذا الأمر في حياتنا اليومية ونتطرق إلى بعض المواقف والأمثلة التي توضح الأمر.
نبدأ من الإنسان ذاته، ولعل اللغز الذى كنا نسمعه يقول: ( ما هو الشيء الذي يخصك، ولكن يستعمله الناس أكثر منك) والجواب إنه (الاسم) ، وما دام أنه هو الذي تعرف به عند الناس فمن حقك أن يكون الاسم مناسباً بحيث لا يكون شاذاً أو غريباً أو مضحكاً مما يولد الاستحياء والخزي ..
والواقع أنه لا زال هناك آباء يسمون أبناءهم وبناتهم بأسماء صادمة للذوق العام .. ولا أدل على ذلك من كثرة الأشخاص الذين يتقدمون إلى إدارة الأحوال المدنية طالبين تغيير أسمائهم ..
ثم نخرج من المنزل إلى الشارع لنسجل بعض الاصطدامات مع الذوق العام، فمن منازل مطلية بألوان غريبة، ومتنافرة إلى مركبات؛ تم إيقافها في غير الأماكن الصحيحة إلى مخلفات؛ تم رميها بعيداً عن الحاويات الخاصة بذلك وفي الطرقات يكتب المرور ( القيادة فن وذوق وأخلاق) ولا تجد منها شيئاً في الواقع فهذا يزعج الناس برفع المسجل، وذاك يسير بعكس الاتجاه، وغيره يقود بسرعة جنونية، وهناك من يقوم بأركاب الأطفال أو العمال في حوض السيارة المسماة بنصف النقل.
وفي المسجد يصطدم مع الذوق العام، من يمشي بحذائه على فراش المسجد..
ومنهم من يرتدي الملابس غير اللائقة ، أو تحمل ملابسه عبارات بكلمات عربية أو أجنبية تشغل المصلي إذا وقع نظره عليها، وكذلك يصطدم به من يزعج المصلين برنين هاتفه الجوال.
ويستمر سيرك في الشارع أو الطرقات الداخلية أو الخارجية، فترى ما يصطدم بالذوق العام من كتابات مشوهة للجدران ومحرجة للسكان او لوحات المحلات التجارية ذات الأخطاء الإملائية وذات المسميات الأجنبية التي لا معنى لها أو مسميات غير لائقة، ويصطدم بالذوق العام من دخول المدخن على مجلس فيه الكثير من غير المدخنين، ثم يطوف عليهم مصافحا أو معانقا وعقب السيجارة لا زال في يده اليسرى، وكذلك من ينشغل بهاتفه الجوال في مجلس تدور فيه أحاديث تفوته الفائدة منها.
لنتخيل شخصاً دخل إلى مكان عام وهو يربط ربطة عنقه على ثوب أو يلبس مشلحاً فوق ملابس داخلية فقط أو يدخل مسجداً غير ساترٍ لعورته. كلنا نقول: لا ذوق عند هذا الإنسان ونستنكر ذلك التصرف، وقد يتدخل البعض بدرجات الأنكار المعروفة القلب ، اللسان ، اليد ......
ولا بد أن نؤكد هنا على أن مقياس الذوق يختلف حسب المجتمعات وحسب المكان والزمان..
ثم يأتي السؤال الأخير، لماذا يشذ بعض الناس ويخالفون الذوق العام في تصرفاتهم ؟ وفي اعتقادي بأن ذلك يرجع إلى أحد هذه الأسباب:
1- الجهل. 2-الغباء. 3- تعمده التمرد على القوانين إبرازاً لشخصه وشجاعته . 4- عدم الاهتمام بالآداب العامة والمجاملة.
ونتوصل من هذا الموضوع إلى أن الإنسان ميزه الله على باقي المخلوقات بعقله الذي يفكر به وحواسه التي يدرك بها ما حوله، فيزن الأمور ويعرف الخطأ من الصواب ليتعايش ويتواءم مع مجتمعه المحيط به محافظاً على خلقه وآدابه مبتعداً عن كل ما يعيبه، وأن تكون لديه ذرة من الحياء يقيس عليها أقواله وأفعاله، أما من ينعدم عنده الحياء، فلا شك أنه ينطبق عليه قول الشاعر:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فأصنع ما تشاءُ
كما ينطبق عليه المثل الدارج: ( قال: تخاف، قال: لا ، قال: تستحي، قال: لا، قال: أعمل ما تريد).
وأرجو أن لا نكون من ذلك ؟!
لطالما سمعت في صغري قولهم (( كل ما يعجبك، وألبس ما يعجب الناس)) وكم كنت انتقد هذه المقولة، ولكن مع نفسي فقط ..
ويا للعجب كيف أقيد رغبتي في ثيابي بما يعجب الناس ويروق لهم؟ وهل أقف بباب خياط الملابس وأنادي على المارة ليدلوني على ما يحبونه من قماش لأفصل ثوبي منه؟ عجباً والله..
ولكن عندما وعيتْ هذه الحكمة في كبري وجدتها أبعد من ذلك وأوسع إنها تعني التقيد والخضوع لسلطانٍ يحكمنا غير مرئي لنا، ولكنه محسوس ومتعارف عليه .. ألا وهو الذوق العام، وما يتطلبه من مراعاة، ومداراة وانسجام المرء مع من حوله من الناس.
ونريد أن نتطرق إلى إيضاح العنوان أولاً ..
فالاصطدام : مأخوذ من (صدمه_ يصدمه_ صدماً) أي دفعه وضربه بجسده ...
وقد قلبت تاء الافتعال هنا طاءً ؛ ثم ما هو الذوق العام؟
إنه نمط الحياة بما يتخللها من عادات وتقاليد وأعراف سائدة في مجتمع ٍ ما، وهو ما تعارف عليه المجتمع من نظمٍ غير مكتوبة، ولم تقررها جهات تشريعية أو تنظيمية أو دينية أو مدنية أو غيرها..
ولو رجعنا لكلمة (الذوق) بهذا المعنى في المعاجم اللغوية لما وجدنا لها تفسيراً حول ما نقصده بها هنا ، لأنها في المعاجم تدور حول (ذاق _ يذوق) ويقصد به أختبار الطعم .
إن معناها الجديد حديث في قاموس الإنسانية بعد حقب من التطور الاجتماعي والحضاري..
ثم لماذا أضفنا إليها وصف (العام) فقلنا (الذوق العام) ؟ ما ذلك إلا لأن هناك ذوق خاص لكل إنسان بمفرده سواء في مأكله أو مشربه أو ملبسه أو فيما يحب أو يكره، فالشخص قد يختلف عن أشقائه في الأسرة الواحدة بذوقه الخاص في أمرٍ ما.
إنك ترى لدى بائع الأطعمة عشرات الأنواع، ولدى باع الأقمشة مئات الألوان، والأشكال، وكلها تنفذ؛ لماذا؟ لأنها تدخل في خصوصية كل إنسان وذوقه ، أما العام فيشترك فيه أكثر من شخص . ومن المعلوم أن العمومية التي نشير إليها هي عمومية نسبية أي تتدرج وتتسع دوائرها من دائرةٍ إلى أخرى، فالأسرة أعم من الفرد، والقبيلة والعشيرة أعم من الأسرة، والقرية أعم من العشيرة، والمدينة أعم من القرية، والقطر أو الدولة أعم من المدينة، والأمة أعم من الدولة، وهكذا. فلكل شعب خصوصية فيما يراه موافقاً أو منافياً للذوق العام ، وما يرى في مكانٍ موافقاً، قد يرى في مكان آخر منافياً.
ما هي أهمية الذوق العام؟
يمكن أن نقول إن الذوق العام عرف يساوي القوانين، إلهيه أو بشرية في أهميته لتنظيم المجتمع، وبث التآخي، والتفاهم، والانسجام بين الأفراد والمجتمعات ، في حين أن الاصطدام به أو عدم مراعاته يولد النفور، والاشمئزاز، والفرقة بين المجتمع أياً كان نوع هذا الاصطدام سواءً كان فعلا ً أو قولاً أو تصرفاً فيه خدش للحياء وخروج عن المألوف، وتختلف درجة هذا الاصطدام من خفيف إلى وسط إلى قوي ، وبالتالي تكون النتائج حسب درجة هذا الاصطدام.
ولو عدنا إلى تاريخنا المجيد لوجدنا الكثير من الحوادث والمواقف التي تدخل في هذا النطاق من ذلك موقف حبيبنا المصطفي صلى الله عليه وسلم من الرجل الذي أمسك به من تلابيبه وسحبه بقوة ورفع صوته بمطلبه؛ وكذلك الرجل الذي بال في ركن من مسجده صلى الله عليه وسلم، وكيف عالج رسولنا الأمر بالرفق أمام إنكار الصحابة، وغضبهم من تصرفات تنافي الذوق العام.
ولو نظرنا في هذا العصر إلى المجتمعات لوجدناها تتماشى مع الذوق العام بقدر ما تبلغه من رقي، وتحضر ، ونظم مدنية، وهذا مشاهد فيما تتحلى به بعض المجتمعات من أدب في التعامل، وحرص على المجاملة، ومراعاه شعور الآخرين، وامتثال للصفوف والطوابير، وعدم التعرض لخصوصية الآخرين، وغير ذلك من أخلاق وآداب عامة تدخل في مسمى الذوق العام ونستطيع أن نستطلع هذا الأمر في حياتنا اليومية ونتطرق إلى بعض المواقف والأمثلة التي توضح الأمر.
نبدأ من الإنسان ذاته، ولعل اللغز الذى كنا نسمعه يقول: ( ما هو الشيء الذي يخصك، ولكن يستعمله الناس أكثر منك) والجواب إنه (الاسم) ، وما دام أنه هو الذي تعرف به عند الناس فمن حقك أن يكون الاسم مناسباً بحيث لا يكون شاذاً أو غريباً أو مضحكاً مما يولد الاستحياء والخزي ..
والواقع أنه لا زال هناك آباء يسمون أبناءهم وبناتهم بأسماء صادمة للذوق العام .. ولا أدل على ذلك من كثرة الأشخاص الذين يتقدمون إلى إدارة الأحوال المدنية طالبين تغيير أسمائهم ..
ثم نخرج من المنزل إلى الشارع لنسجل بعض الاصطدامات مع الذوق العام، فمن منازل مطلية بألوان غريبة، ومتنافرة إلى مركبات؛ تم إيقافها في غير الأماكن الصحيحة إلى مخلفات؛ تم رميها بعيداً عن الحاويات الخاصة بذلك وفي الطرقات يكتب المرور ( القيادة فن وذوق وأخلاق) ولا تجد منها شيئاً في الواقع فهذا يزعج الناس برفع المسجل، وذاك يسير بعكس الاتجاه، وغيره يقود بسرعة جنونية، وهناك من يقوم بأركاب الأطفال أو العمال في حوض السيارة المسماة بنصف النقل.
وفي المسجد يصطدم مع الذوق العام، من يمشي بحذائه على فراش المسجد..
ومنهم من يرتدي الملابس غير اللائقة ، أو تحمل ملابسه عبارات بكلمات عربية أو أجنبية تشغل المصلي إذا وقع نظره عليها، وكذلك يصطدم به من يزعج المصلين برنين هاتفه الجوال.
ويستمر سيرك في الشارع أو الطرقات الداخلية أو الخارجية، فترى ما يصطدم بالذوق العام من كتابات مشوهة للجدران ومحرجة للسكان او لوحات المحلات التجارية ذات الأخطاء الإملائية وذات المسميات الأجنبية التي لا معنى لها أو مسميات غير لائقة، ويصطدم بالذوق العام من دخول المدخن على مجلس فيه الكثير من غير المدخنين، ثم يطوف عليهم مصافحا أو معانقا وعقب السيجارة لا زال في يده اليسرى، وكذلك من ينشغل بهاتفه الجوال في مجلس تدور فيه أحاديث تفوته الفائدة منها.
لنتخيل شخصاً دخل إلى مكان عام وهو يربط ربطة عنقه على ثوب أو يلبس مشلحاً فوق ملابس داخلية فقط أو يدخل مسجداً غير ساترٍ لعورته. كلنا نقول: لا ذوق عند هذا الإنسان ونستنكر ذلك التصرف، وقد يتدخل البعض بدرجات الأنكار المعروفة القلب ، اللسان ، اليد ......
ولا بد أن نؤكد هنا على أن مقياس الذوق يختلف حسب المجتمعات وحسب المكان والزمان..
ثم يأتي السؤال الأخير، لماذا يشذ بعض الناس ويخالفون الذوق العام في تصرفاتهم ؟ وفي اعتقادي بأن ذلك يرجع إلى أحد هذه الأسباب:
1- الجهل. 2-الغباء. 3- تعمده التمرد على القوانين إبرازاً لشخصه وشجاعته . 4- عدم الاهتمام بالآداب العامة والمجاملة.
ونتوصل من هذا الموضوع إلى أن الإنسان ميزه الله على باقي المخلوقات بعقله الذي يفكر به وحواسه التي يدرك بها ما حوله، فيزن الأمور ويعرف الخطأ من الصواب ليتعايش ويتواءم مع مجتمعه المحيط به محافظاً على خلقه وآدابه مبتعداً عن كل ما يعيبه، وأن تكون لديه ذرة من الحياء يقيس عليها أقواله وأفعاله، أما من ينعدم عنده الحياء، فلا شك أنه ينطبق عليه قول الشاعر:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فأصنع ما تشاءُ
كما ينطبق عليه المثل الدارج: ( قال: تخاف، قال: لا ، قال: تستحي، قال: لا، قال: أعمل ما تريد).
وأرجو أن لا نكون من ذلك ؟!