"يصبح شديد البدو عجل رحيله"!
أنا هنا أكتب لأتنفّس!وهي مقولة سرقتها من أخي " حمد الحمود "، فالفكر السائب في تويتر يعلّم السّرقة!
وبعد:
قصيدة راكان بن حثلين يرحمه الله- التي مطلعها" يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال في مجلس ما فيه نفس ثقيله" تثير في نفسي الشّجن، تلك القصيدة التي حفظتها صغيرا، وما زلت أرددها حين يضيق صدري فينطلق بها لساني، وبالأخص ذلك الدعاء الابتهالي الذي يسحب معه كل عوادم الهمّ والغمّ:
"يا الله يا اللي طالبه ما بعد فال يا اللي من الضّيقات نجّى دخيله
أفرج لمن قلبه غدا فيه ولوال والنوم ما جا عينه إلا قليله"
وكم هو جميل أن تجد نفسك في مكان يجتمع فيه الأهل والأحباب " هذا ولد عم، وهذا ولد خال، وهذا رفيق ما لقينا مثيله" لكنك اليوم تبلش مع كل ما ذكره " ابن حثلين " في حالة التلوّن الحربوي وركل المبادىء، ولم يكن " طير الهوى " وحده من خبّث البال، فهناك أشياء كثيرة تجعلك تطير من مكانك لتحلق وتصفق بجناحيك بعيدا عن كل هذا الغثاء " المغثة " وقد قيل من قبل " إلعب وحدك تجي طربان " فلست وكيل آدم على ذريته. وكما قال راكان " من ضيّع المفتاح يا عزّتي له"!
وفي دنيا البشر من جعل من نفسه " مدّاح القمر ". وحين تقول له رأيك، وأن القمر تراب وحجارة، وأنه يستمد نوره من الشمس، يتهمك بالحقد على القمر، ويطلب من القمر أن لا يلتفت إلى كلامك، وأن القمر من وجهة نظره يستحق جائزة نوبل، حتى وإن كان غيابه لا يؤثر كثيرا، بل ويطلب محاسبتك على قول تلك الحقيقة الفلكية، وقد يستعين عليك بباقي الأفلاك ( عطارد والزهرة وزحل والمريخ ) وربما يؤلّب عليك الثقوب السوداء التي تبلع النجوم لكي تبتلعك !
ومع أنّ الشمس لا يمدحها أحد في مجال العشق والهيام إلا من كان عنده نزلة برد "قشعريرة "، فإنها ما زالت تشرق وتغيب، حقيقة تنكسر العين عند التحديق فيها، فيذهب العشّاق في ليلهم إلى القمر الذي لن يكبر حجمه بهذا المديح، فيصبح كالشمس، ولا أن ينقل مداره إلى المريخ.
هنا ومع سيحة البال وحيدا يصبح للفنجال طعم خاص، فتبدو لي صفحة السماء خالية من قمر أمدحه، فالليلة هي آخر الشهر الذي أصبح فيه ذلك المنتفخ - في ليالي مضت - مثل قرن الموز!
وفي هذه الليلة المحاقيّة تحلو جرّة الربابة، لتجعل الجلد الرهيف يستجيب لصوت الوتر ويتناغم معه، فيتعالى الصوت وكأنه ينادي من بعيد "يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال" وحين استوى المقام نظرت حولي، فلم أجد غير نفسي، فانتابني شعور بالوحشة، فجررت القوس بهدوء في حالة وجدانية نقلتني إلى ذلك الزمن الذي أصبح اليوم ذكرى، فكان ابن حثلين يصوّر المشهد:
لا من ذكرت ارموس عصر لنا زال شوف الفياض وفقد عز القبيله
يا زين شدتهم آليا روّح المال يتلون برّاق حقوق مخيله
إلى أن بقول:
ولا قادنا من يمه القفر خيال يصبح شديد البدو عجل رحيله
وهنا يبدأ الرحيل فتنزع العمد والأوتاد والأخلة، وتطوى البيوت ويصبح الناس ضاحين في الشمس، فتتعاضد الأيدي للشّيل، وتتعالى الأصوات بين ثغاء ورغاء وخوار ونباح، وكأن كل شي يقول: الرحيل، الرحيل !وفي مشهد مغروز في الذاكرة يقف طفل ويسأل أمه: إلى أين؟ فترد عليه وهي تشد عصابة رأسها: قريب يا وليدي !
لا بد وأن الطّارش صادق في وصفه " الحيا " وأن كلامه مطابق للحقيقة، ولا مجال للمجاملة والتخمين، فالأمر يتعلق بأرواح، لكننا اليوم في زمن أصبحت فيه الحقيقة رخيصة حين يتنازل الشخص عن مبادئه ويصبح بوقا في المجالس وهو يمارس مهنة الرقص والتطبيل، وكأن الناس من حوله بلا أعين ولا آذان!.
لا بد وأن تكون الحقيقة مقدّسة، ويجب أن نقبل مرارتها. وحين يكون " الطّارش" محل ثقة، فلا بد وأن " يصبح شديد البدو عجل رحيله ".
أنا هنا أكتب لأتنفّس!وهي مقولة سرقتها من أخي " حمد الحمود "، فالفكر السائب في تويتر يعلّم السّرقة!
وبعد:
قصيدة راكان بن حثلين يرحمه الله- التي مطلعها" يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال في مجلس ما فيه نفس ثقيله" تثير في نفسي الشّجن، تلك القصيدة التي حفظتها صغيرا، وما زلت أرددها حين يضيق صدري فينطلق بها لساني، وبالأخص ذلك الدعاء الابتهالي الذي يسحب معه كل عوادم الهمّ والغمّ:
"يا الله يا اللي طالبه ما بعد فال يا اللي من الضّيقات نجّى دخيله
أفرج لمن قلبه غدا فيه ولوال والنوم ما جا عينه إلا قليله"
وكم هو جميل أن تجد نفسك في مكان يجتمع فيه الأهل والأحباب " هذا ولد عم، وهذا ولد خال، وهذا رفيق ما لقينا مثيله" لكنك اليوم تبلش مع كل ما ذكره " ابن حثلين " في حالة التلوّن الحربوي وركل المبادىء، ولم يكن " طير الهوى " وحده من خبّث البال، فهناك أشياء كثيرة تجعلك تطير من مكانك لتحلق وتصفق بجناحيك بعيدا عن كل هذا الغثاء " المغثة " وقد قيل من قبل " إلعب وحدك تجي طربان " فلست وكيل آدم على ذريته. وكما قال راكان " من ضيّع المفتاح يا عزّتي له"!
وفي دنيا البشر من جعل من نفسه " مدّاح القمر ". وحين تقول له رأيك، وأن القمر تراب وحجارة، وأنه يستمد نوره من الشمس، يتهمك بالحقد على القمر، ويطلب من القمر أن لا يلتفت إلى كلامك، وأن القمر من وجهة نظره يستحق جائزة نوبل، حتى وإن كان غيابه لا يؤثر كثيرا، بل ويطلب محاسبتك على قول تلك الحقيقة الفلكية، وقد يستعين عليك بباقي الأفلاك ( عطارد والزهرة وزحل والمريخ ) وربما يؤلّب عليك الثقوب السوداء التي تبلع النجوم لكي تبتلعك !
ومع أنّ الشمس لا يمدحها أحد في مجال العشق والهيام إلا من كان عنده نزلة برد "قشعريرة "، فإنها ما زالت تشرق وتغيب، حقيقة تنكسر العين عند التحديق فيها، فيذهب العشّاق في ليلهم إلى القمر الذي لن يكبر حجمه بهذا المديح، فيصبح كالشمس، ولا أن ينقل مداره إلى المريخ.
هنا ومع سيحة البال وحيدا يصبح للفنجال طعم خاص، فتبدو لي صفحة السماء خالية من قمر أمدحه، فالليلة هي آخر الشهر الذي أصبح فيه ذلك المنتفخ - في ليالي مضت - مثل قرن الموز!
وفي هذه الليلة المحاقيّة تحلو جرّة الربابة، لتجعل الجلد الرهيف يستجيب لصوت الوتر ويتناغم معه، فيتعالى الصوت وكأنه ينادي من بعيد "يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال" وحين استوى المقام نظرت حولي، فلم أجد غير نفسي، فانتابني شعور بالوحشة، فجررت القوس بهدوء في حالة وجدانية نقلتني إلى ذلك الزمن الذي أصبح اليوم ذكرى، فكان ابن حثلين يصوّر المشهد:
لا من ذكرت ارموس عصر لنا زال شوف الفياض وفقد عز القبيله
يا زين شدتهم آليا روّح المال يتلون برّاق حقوق مخيله
إلى أن بقول:
ولا قادنا من يمه القفر خيال يصبح شديد البدو عجل رحيله
وهنا يبدأ الرحيل فتنزع العمد والأوتاد والأخلة، وتطوى البيوت ويصبح الناس ضاحين في الشمس، فتتعاضد الأيدي للشّيل، وتتعالى الأصوات بين ثغاء ورغاء وخوار ونباح، وكأن كل شي يقول: الرحيل، الرحيل !وفي مشهد مغروز في الذاكرة يقف طفل ويسأل أمه: إلى أين؟ فترد عليه وهي تشد عصابة رأسها: قريب يا وليدي !
لا بد وأن الطّارش صادق في وصفه " الحيا " وأن كلامه مطابق للحقيقة، ولا مجال للمجاملة والتخمين، فالأمر يتعلق بأرواح، لكننا اليوم في زمن أصبحت فيه الحقيقة رخيصة حين يتنازل الشخص عن مبادئه ويصبح بوقا في المجالس وهو يمارس مهنة الرقص والتطبيل، وكأن الناس من حوله بلا أعين ولا آذان!.
لا بد وأن تكون الحقيقة مقدّسة، ويجب أن نقبل مرارتها. وحين يكون " الطّارش" محل ثقة، فلا بد وأن " يصبح شديد البدو عجل رحيله ".