لا شك أننا في هذه البلاد نعتنق الفكر الإسلامي الذي مهما حاول المغرضون إلقاء تهمة الإرهاب عليه فهو منها براء براءة الذئب من دمّ ابن يعقوب.
ولكنَّ حادثة قتل واحدة توقظ مجتمعًا بأسره لينظر في داخله، ويبحث عن الأسباب الجوهرية التي أدَّت إلى حدوث أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية، ألا وهي جريمة قتل الأمّ! تلك الجريمة التي هزّت المجتمع السعودي وأبكته في آن. وإن كان القتل بحدِّ ذاته جريمة، فقتل الأمّ على يد ابنيها هو جرم شنيع تجاوز حدود العقل والمنطق.
ومع تلك اليقظة التي ثارت في العقول، ومع البحث عن الأسباب التي أدَّت إلى وقوع تلك الجريمة بدأت التيارات تتقاذف التهم، ولكن تقاذف التهم بين التيارات أمر لا طائل منه، فليس الفكر لإسلامي هو السبب، ولا الفكر اللبرالي هو السبب، ولكنَّ تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى حوادث مشابهة ولعلي في هذا المقال ألمس بعضًا منها، وأولها من وجهة نظري: الهوة الثقافية بين جيلين، جيل الآباء وجيل الأبناء، جيل تربى على الكتاب، وجيل تربى على الألعاب الالكترونية وما تبعها من الوسائل التواصلية التي أحدثتها التكنولوجيا.
إن الجيل الذي تربى على الألعاب الالكترونية هو جيل اعتاد البعض منه على قضاء معظم وقته في الألعاب الوهمية الدَّامية، وعاش في مجتمع افتراضي، مارس فيه القتل والسطو والسرقة، فخرج إلى المجتمع الحقيقي حاملاً في جيبه سكينًا، وفي سيارته ساطورًا ومسدسًا، وعند أوّل حدث انفعالي، يستخدم أسلحته ويوجّه سكينه أو مسدسه إلى صدر خصمه. هو لا يحتمل أن يقف في طريقه ما يعيق رغباته، وما أسهل الوصول إلى الغاية إن كانت الوسيلة في عقله ميسره وهي التخلص من ذلك المعيق تماما كما يتخلص من الأعداء الوهميين في الألعاب الالكترونية. وإن قيل ليس الجميع تؤثر عليهم ألعاب العنف، قلنا نعم، ولكن (دور الأحداث) تحتضن في اروقتها نسبة من خريجي الألعاب.
ونحن نقف على هذا السبب، فمن المسؤول؟ إنها الأسرة وتحديدًا الأب الذي غاب دوره عن تربية أبنائه، ولا يتعدى اهتمامه بهم توفير المأكل والمشرب والملبس، والألعاب الالكترونية! ولم يفكر بعض الآباء والأمهات بتأثير تلك الألعاب على سلوكيات أبنائهم وإنما تركوهم مع الأشباح والأوهام تسيطر على عقولهم وتوجهها في مسارات العنف بطريقة مبرمجة ومنظمة ومقصودة، ولم يحاولوا استبدالها بأشياء أخرى تربطهم بواقعهم الحياتي وتسير بعقولهم إلى بر الأمان.
وثاني الأسباب، نلحظه جيدًا في المدرسة من ضعف المناهج وسهولة النجاح ولاسيما منهج التربية الإسلامية الذي كان ثريًّا بالمواضيع التي تؤصّل للفكر الإسلامي وتغرس القيم وتنمي الوازع الديني، بخلاف ما هو عليه الآن حيث أصبح مختزلاً ويختزل في بعض المدارس بوريقاتٍ تقدم للطالب بهدف النجاح - وتلك مشكلة أخرى ليس الآن موضع طرحها مما زرع بذور الكسل والاتكالية في همم الطلاب والطالبات فلن يجهد الطالب نفسه بالمذاكرة طوال العام ما دام هناك وريقات تقدم له في نهاية العام يضمن من خلالها النجاح السهل المختزل، فأصبح الطالب يعرف ولا يعرف، يفهم ولا يفهم، مترددًا في الوثوق بمعلومة واحدة، مما أنتج عقولا مترددة سَهُلَ تلقفها لأيِّ فكر ولأيِّ ثقافة، من غير أن يكون لديها مخزون ثقافي يعمل كمضاد لما يعصف بها من أفكار مضللة.
ولعلكم تذكرون أن الأحداث الإرهابية الأخيرة حصلت من شباب أعمارهم ما بين الثامنة عشر والعشرين أي أنهم من جيل التقويم المستمر! فمستوى التفكير لديهم ليس بأحسن حالاً من جودة الخط وصحة القراءة عندهم.
وثالثة الأثافي: الإعلام، تلك الآفة التي تسلطت على بيوتنا وما تبثه فيها من برامج ومسلسلات تزدري الشيخ والمعلم والأب والأمّ، والكثير من قيم المجتمع، حيث إن النقد الموجّه لتلك الرموز نقدٌ سطحي وساخر لا يقدم للمشاهد تجارب مقنعة عايشها مع نفسه أو مجتمعه، بل إن النقد في تلك المسلسلات والبرامج يسلط الضوء على أحداث شاذة وقعت من فرد من الأفراد لا يشكل شيئا في مجموع تلك الفئة المنتقدة، ومثال ذلك ما يوجه من نقد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن هذه المسلسلات وما تقدمه من نقد غير واقعي وغير مدروس هي خنجر في خاصرة المجتمع؛ لأنها لا تقوم على التحليل الثقافي للمجتمع، لذا فهي لا تحمل رسالة أصلاً ولا تحقق فكرًا ولا تبني ثقافة، ولا تعزز لغة إنما تهدف إلى فرض (الهيمنة الفراغية) إن صحَّت التسمية؛ لأن التفاعل الديناميكي النفسي والاجتماعي بين ما يعتبره المشاهد ثابتًا ورمزًا وأصيلاً مما تعتز به الشعوب من عقيدة وهوية وعادات وتقاليد راسخة، وبين ما فرض عليه مشاهدته من نقد ساخر لا يرقى إلى مستوى العمل الفني الذي يخدم مصالح الأمّة أو يعزز من قيمها، بل إنه يعد مجالا واسعًا للتشويه الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والنفسي، تلك هي الهيمنة الفراغية.
ولعلكم ترجعون بالذاكرة إلى أيام الدراسة الثانوية أو الجامعية أي قبل ما فرضته العولمة من هيمنة فراغية، حيث كانت المساجد والمدارس والجامعات تعج بالمحاضرات والندوات الدينية والثقافية التي أخرجت جيلا -في عمومه -واعيًا متمسكًا بثوابته، يعرف حقوقه وواجباته تجاه ربّه وأمّته ووطنه وولاة امره، وحين غابت أو غُيبت تلك الفعاليات بما أحدثته العولمة من تعويم للهوية خرج بعض هذا الجيل منسلخٌ من هويته مهزوز الشخصية، فارغ العقل سَهُل على الأعداء استعماره واستثماره.
ولكنَّ حادثة قتل واحدة توقظ مجتمعًا بأسره لينظر في داخله، ويبحث عن الأسباب الجوهرية التي أدَّت إلى حدوث أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية، ألا وهي جريمة قتل الأمّ! تلك الجريمة التي هزّت المجتمع السعودي وأبكته في آن. وإن كان القتل بحدِّ ذاته جريمة، فقتل الأمّ على يد ابنيها هو جرم شنيع تجاوز حدود العقل والمنطق.
ومع تلك اليقظة التي ثارت في العقول، ومع البحث عن الأسباب التي أدَّت إلى وقوع تلك الجريمة بدأت التيارات تتقاذف التهم، ولكن تقاذف التهم بين التيارات أمر لا طائل منه، فليس الفكر لإسلامي هو السبب، ولا الفكر اللبرالي هو السبب، ولكنَّ تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى حوادث مشابهة ولعلي في هذا المقال ألمس بعضًا منها، وأولها من وجهة نظري: الهوة الثقافية بين جيلين، جيل الآباء وجيل الأبناء، جيل تربى على الكتاب، وجيل تربى على الألعاب الالكترونية وما تبعها من الوسائل التواصلية التي أحدثتها التكنولوجيا.
إن الجيل الذي تربى على الألعاب الالكترونية هو جيل اعتاد البعض منه على قضاء معظم وقته في الألعاب الوهمية الدَّامية، وعاش في مجتمع افتراضي، مارس فيه القتل والسطو والسرقة، فخرج إلى المجتمع الحقيقي حاملاً في جيبه سكينًا، وفي سيارته ساطورًا ومسدسًا، وعند أوّل حدث انفعالي، يستخدم أسلحته ويوجّه سكينه أو مسدسه إلى صدر خصمه. هو لا يحتمل أن يقف في طريقه ما يعيق رغباته، وما أسهل الوصول إلى الغاية إن كانت الوسيلة في عقله ميسره وهي التخلص من ذلك المعيق تماما كما يتخلص من الأعداء الوهميين في الألعاب الالكترونية. وإن قيل ليس الجميع تؤثر عليهم ألعاب العنف، قلنا نعم، ولكن (دور الأحداث) تحتضن في اروقتها نسبة من خريجي الألعاب.
ونحن نقف على هذا السبب، فمن المسؤول؟ إنها الأسرة وتحديدًا الأب الذي غاب دوره عن تربية أبنائه، ولا يتعدى اهتمامه بهم توفير المأكل والمشرب والملبس، والألعاب الالكترونية! ولم يفكر بعض الآباء والأمهات بتأثير تلك الألعاب على سلوكيات أبنائهم وإنما تركوهم مع الأشباح والأوهام تسيطر على عقولهم وتوجهها في مسارات العنف بطريقة مبرمجة ومنظمة ومقصودة، ولم يحاولوا استبدالها بأشياء أخرى تربطهم بواقعهم الحياتي وتسير بعقولهم إلى بر الأمان.
وثاني الأسباب، نلحظه جيدًا في المدرسة من ضعف المناهج وسهولة النجاح ولاسيما منهج التربية الإسلامية الذي كان ثريًّا بالمواضيع التي تؤصّل للفكر الإسلامي وتغرس القيم وتنمي الوازع الديني، بخلاف ما هو عليه الآن حيث أصبح مختزلاً ويختزل في بعض المدارس بوريقاتٍ تقدم للطالب بهدف النجاح - وتلك مشكلة أخرى ليس الآن موضع طرحها مما زرع بذور الكسل والاتكالية في همم الطلاب والطالبات فلن يجهد الطالب نفسه بالمذاكرة طوال العام ما دام هناك وريقات تقدم له في نهاية العام يضمن من خلالها النجاح السهل المختزل، فأصبح الطالب يعرف ولا يعرف، يفهم ولا يفهم، مترددًا في الوثوق بمعلومة واحدة، مما أنتج عقولا مترددة سَهُلَ تلقفها لأيِّ فكر ولأيِّ ثقافة، من غير أن يكون لديها مخزون ثقافي يعمل كمضاد لما يعصف بها من أفكار مضللة.
ولعلكم تذكرون أن الأحداث الإرهابية الأخيرة حصلت من شباب أعمارهم ما بين الثامنة عشر والعشرين أي أنهم من جيل التقويم المستمر! فمستوى التفكير لديهم ليس بأحسن حالاً من جودة الخط وصحة القراءة عندهم.
وثالثة الأثافي: الإعلام، تلك الآفة التي تسلطت على بيوتنا وما تبثه فيها من برامج ومسلسلات تزدري الشيخ والمعلم والأب والأمّ، والكثير من قيم المجتمع، حيث إن النقد الموجّه لتلك الرموز نقدٌ سطحي وساخر لا يقدم للمشاهد تجارب مقنعة عايشها مع نفسه أو مجتمعه، بل إن النقد في تلك المسلسلات والبرامج يسلط الضوء على أحداث شاذة وقعت من فرد من الأفراد لا يشكل شيئا في مجموع تلك الفئة المنتقدة، ومثال ذلك ما يوجه من نقد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن هذه المسلسلات وما تقدمه من نقد غير واقعي وغير مدروس هي خنجر في خاصرة المجتمع؛ لأنها لا تقوم على التحليل الثقافي للمجتمع، لذا فهي لا تحمل رسالة أصلاً ولا تحقق فكرًا ولا تبني ثقافة، ولا تعزز لغة إنما تهدف إلى فرض (الهيمنة الفراغية) إن صحَّت التسمية؛ لأن التفاعل الديناميكي النفسي والاجتماعي بين ما يعتبره المشاهد ثابتًا ورمزًا وأصيلاً مما تعتز به الشعوب من عقيدة وهوية وعادات وتقاليد راسخة، وبين ما فرض عليه مشاهدته من نقد ساخر لا يرقى إلى مستوى العمل الفني الذي يخدم مصالح الأمّة أو يعزز من قيمها، بل إنه يعد مجالا واسعًا للتشويه الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والنفسي، تلك هي الهيمنة الفراغية.
ولعلكم ترجعون بالذاكرة إلى أيام الدراسة الثانوية أو الجامعية أي قبل ما فرضته العولمة من هيمنة فراغية، حيث كانت المساجد والمدارس والجامعات تعج بالمحاضرات والندوات الدينية والثقافية التي أخرجت جيلا -في عمومه -واعيًا متمسكًا بثوابته، يعرف حقوقه وواجباته تجاه ربّه وأمّته ووطنه وولاة امره، وحين غابت أو غُيبت تلك الفعاليات بما أحدثته العولمة من تعويم للهوية خرج بعض هذا الجيل منسلخٌ من هويته مهزوز الشخصية، فارغ العقل سَهُل على الأعداء استعماره واستثماره.