●هرمنا من أجل "2030"
تذكرت مع انطلاقة الإعلان عن رؤية المملكة "2030" مشهد المواطن التونسي أحمد الحفناوي حينما وضع يده على رأسه وأطلق مقولته الشهيرة "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" والتي تناقلتها وسائل الإعلام بُعيد ثورة 14 يناير التي أطاحت بابن علي من سدة الحكم في تونس, هذا الاستدعاء رغم اختلاف الزمان والمكان والظروف بين المشهدين إلا أن لكل منهما إيحاءه الخاص ببدء مرحلة جديدة نحو التغير والتحول المحمود, التونسيون انتظروا الخلاص من حكم ابن علي ثلاثة وعشرين عاماً, والسعوديون في المقابل انتظروا هذه الرؤية عقوداً بعد استيعابهم أن اقتصادهم المعتمد على النفط, سيكون عرضة للهزات الاقتصادية والكساد والنضوب في نهاية الأمر.
كانت مشكلتنا مع التنمية ومازالت كما يراها الدكتور أسامة عبد الرحمن في كتابه البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية وغيره الكثيرون من المتخصصين في الشأن التنموي تكمن في غياب الرؤية الواضحة للأهداف الحالية والمستقبلية, فبناء المؤسسات وإعداد الأفراد لا يمكن أن يسير على النهج السوي في ظل غياب الرؤية الواضحة ولا شك أن القيادة السياسية لها الدور الأساسي والحاسم في صياغة الأهداف العامة وتحديد أولوياتها وتوزيع الموارد والتأثير وتوجيه المجتمع ككل بصفة عامة ولأجهزة الإدارة العامة بصفة خاصة.
اليوم مع انطلاقة رؤية المملكة "2030" بدأ المجتمع السعودي وقيادته أولى خطوات التخلص من البيروقراطية النفطية, والبدء في مرحلة التنمية الحقيقية التي تهتم بتطوير الإنسان باعتباره أبرز محاورها, وتعمل على تعزيز دور القطاع الخاص, ولن يكون هذا واقعاً بحسب الخبراء إلا من خلال بناء قدرة الإنتاج الذاتية المعتمدة على إكساب أفراد المجتمع القدرة على الإنتاج وهو أحد الأمور الملحة التي نحتاجها في هذه المرحلة لاسيما وأن الكثير من المواطنين ليس لديهم ما يؤهلهم للاستفادة من الفرص المتاحة لتحسين مستوى معيشتهم وذلك عائد إلى افتقارهم إلى فرص التعليم والتدريب المناسبة.
إن أهمية تعليم أفراد المجتمع وتدريبهم وإكسابهم المهارات الفنية والمهنية المناسبة تكمن في حفزهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة, وقد أكدت معظم الدراسات الميدانية أهمية الصناعات الصغيرة وإسهامها في النمو الاقتصادي للدول ولعل تجربة الصين وإيطاليا وتايوان في هذا الشأن خير دليل على أهمية تبني مثل هذه المشاريع ودورها الفعال في الحد من مشكلة البطالة وتأهيل الشباب لسوق العمل.
إن إحداث هذا التغيير في اتجاهات التصنيع سيساعد في تسريع عملية استقلالنا الاقتصادي, ولكن ذلك يتطلب إلى جانب تدريب وتأهيل العنصر البشري, تقديم التسهيلات اللازمة لانطلاق الكوادر الوطنية المؤهلة في مجال الاستثمار في الصناعات الصغيرة وذلك من خلال تقديم القروض الميسرة لهم, والمشورة والدعم الفني لمشروعاتهم.
كما أن إيجاد البيئة المناسبة لمثل هذه الاستثمارات يتطلب عملاً جاداً من أجل القضاء على حالات التستر التجاري التي نعاني منها والتي سمحت لمليارات الريالات بالهجرة إلى خارج الوطن, ففي عام 2014م بلغت تحويلات الأجانب "153,3" مليار ريال, بينما بلغت في 2015م نحو "156,9" مليار بزيادة قدرها "4%" عن العام 2014م, ولاشك أن جزءاً من هذه التحويلات كان نتيجة التستر التجاري الذي يمارسه مواطنون سلبيون مقابل عائد مادي بسيط يتقاضونه من العمالة الوافدة.
أعلم أن هذا التوجه هو أحد الركائز التي ترتكز عليها الرؤية ولكني أتمنى أن يستشعر المواطن التغير وطبيعته على المدى الزمني المرسوم للرؤية وذلك من خلال إجراء التغييرات الأكثر إلحاحاً فالملحة, وإعادة تقييم المنجزات في كل مرحلة وإجراء التعديلات اللازمة إذا أخيراً أتمنى أن ينظر القائمون على الرؤية والوزارات المعنية في إمكانية السماح للموظفين الحكوميين بممارسة التجارة وفق آلية محددة, فهم أولى بمقدرات وطنهم, لاسيما وأن لديهم القدرة على توفير رؤوس الأموال سواء بالادخار أو بالاقتراض من البنوك لبدء عمل تجاري ربما يغنيهم في مستقبل الأيام عن دخل الوظيفة الحكومية فيتركونها لغيرهم من أبناء وطنهم الباحثين عنها.
نايف البقمي
كاتب وإعلامي
Naif2010ksa@gmail.com
تذكرت مع انطلاقة الإعلان عن رؤية المملكة "2030" مشهد المواطن التونسي أحمد الحفناوي حينما وضع يده على رأسه وأطلق مقولته الشهيرة "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" والتي تناقلتها وسائل الإعلام بُعيد ثورة 14 يناير التي أطاحت بابن علي من سدة الحكم في تونس, هذا الاستدعاء رغم اختلاف الزمان والمكان والظروف بين المشهدين إلا أن لكل منهما إيحاءه الخاص ببدء مرحلة جديدة نحو التغير والتحول المحمود, التونسيون انتظروا الخلاص من حكم ابن علي ثلاثة وعشرين عاماً, والسعوديون في المقابل انتظروا هذه الرؤية عقوداً بعد استيعابهم أن اقتصادهم المعتمد على النفط, سيكون عرضة للهزات الاقتصادية والكساد والنضوب في نهاية الأمر.
كانت مشكلتنا مع التنمية ومازالت كما يراها الدكتور أسامة عبد الرحمن في كتابه البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية وغيره الكثيرون من المتخصصين في الشأن التنموي تكمن في غياب الرؤية الواضحة للأهداف الحالية والمستقبلية, فبناء المؤسسات وإعداد الأفراد لا يمكن أن يسير على النهج السوي في ظل غياب الرؤية الواضحة ولا شك أن القيادة السياسية لها الدور الأساسي والحاسم في صياغة الأهداف العامة وتحديد أولوياتها وتوزيع الموارد والتأثير وتوجيه المجتمع ككل بصفة عامة ولأجهزة الإدارة العامة بصفة خاصة.
اليوم مع انطلاقة رؤية المملكة "2030" بدأ المجتمع السعودي وقيادته أولى خطوات التخلص من البيروقراطية النفطية, والبدء في مرحلة التنمية الحقيقية التي تهتم بتطوير الإنسان باعتباره أبرز محاورها, وتعمل على تعزيز دور القطاع الخاص, ولن يكون هذا واقعاً بحسب الخبراء إلا من خلال بناء قدرة الإنتاج الذاتية المعتمدة على إكساب أفراد المجتمع القدرة على الإنتاج وهو أحد الأمور الملحة التي نحتاجها في هذه المرحلة لاسيما وأن الكثير من المواطنين ليس لديهم ما يؤهلهم للاستفادة من الفرص المتاحة لتحسين مستوى معيشتهم وذلك عائد إلى افتقارهم إلى فرص التعليم والتدريب المناسبة.
إن أهمية تعليم أفراد المجتمع وتدريبهم وإكسابهم المهارات الفنية والمهنية المناسبة تكمن في حفزهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة, وقد أكدت معظم الدراسات الميدانية أهمية الصناعات الصغيرة وإسهامها في النمو الاقتصادي للدول ولعل تجربة الصين وإيطاليا وتايوان في هذا الشأن خير دليل على أهمية تبني مثل هذه المشاريع ودورها الفعال في الحد من مشكلة البطالة وتأهيل الشباب لسوق العمل.
إن إحداث هذا التغيير في اتجاهات التصنيع سيساعد في تسريع عملية استقلالنا الاقتصادي, ولكن ذلك يتطلب إلى جانب تدريب وتأهيل العنصر البشري, تقديم التسهيلات اللازمة لانطلاق الكوادر الوطنية المؤهلة في مجال الاستثمار في الصناعات الصغيرة وذلك من خلال تقديم القروض الميسرة لهم, والمشورة والدعم الفني لمشروعاتهم.
كما أن إيجاد البيئة المناسبة لمثل هذه الاستثمارات يتطلب عملاً جاداً من أجل القضاء على حالات التستر التجاري التي نعاني منها والتي سمحت لمليارات الريالات بالهجرة إلى خارج الوطن, ففي عام 2014م بلغت تحويلات الأجانب "153,3" مليار ريال, بينما بلغت في 2015م نحو "156,9" مليار بزيادة قدرها "4%" عن العام 2014م, ولاشك أن جزءاً من هذه التحويلات كان نتيجة التستر التجاري الذي يمارسه مواطنون سلبيون مقابل عائد مادي بسيط يتقاضونه من العمالة الوافدة.
أعلم أن هذا التوجه هو أحد الركائز التي ترتكز عليها الرؤية ولكني أتمنى أن يستشعر المواطن التغير وطبيعته على المدى الزمني المرسوم للرؤية وذلك من خلال إجراء التغييرات الأكثر إلحاحاً فالملحة, وإعادة تقييم المنجزات في كل مرحلة وإجراء التعديلات اللازمة إذا أخيراً أتمنى أن ينظر القائمون على الرؤية والوزارات المعنية في إمكانية السماح للموظفين الحكوميين بممارسة التجارة وفق آلية محددة, فهم أولى بمقدرات وطنهم, لاسيما وأن لديهم القدرة على توفير رؤوس الأموال سواء بالادخار أو بالاقتراض من البنوك لبدء عمل تجاري ربما يغنيهم في مستقبل الأيام عن دخل الوظيفة الحكومية فيتركونها لغيرهم من أبناء وطنهم الباحثين عنها.
نايف البقمي
كاتب وإعلامي
Naif2010ksa@gmail.com