في محفظتي الجلديّة المهترئة الكثير من البطاقات: بطاقة الهويّة، بطاقة العائلة " الطعشيّة "، بطاقة التأمين الطبي لدى مستوصفات الكحّة، بطاقة الصرّاف، وكذلك رخصة قيادة العربيّة ( السيارة ) وأكثر تلك البطاقات استخداما هي بطاقة " الصّرّاف ". وهناك الكثير من البطاقات التي لا داعي لذكرها ، لكن محفظتي - التايوانية - تخلو من رخصة قيادة العربية ( اللّغة ) ومع ذلك أمارس الكتابة دون أن يسألني أحد عن الرخصة. وما زلت أمارس التفحيط والتبنيط والترفيع . ولا شيء يستحق ذكره هنا غير أني وجدت نفسي ذات يوم في شعيب مقفر أحمل دفترا وقلما أهداه لي أحد الدارسين وهو في طريق هروبه من المدرسة . وفي ذلك اليوم الأغر رسمت لوحة عشوائية لو اطلع عليها أهل هذا الزمان لكانت أسوأ لوحة في التاريخ، لكن تلك الخرابيش كانت تثير إعجابي الشديد، وفي ذات الوقت أثارت فضول تيس الغنم الذي ترك المرعى وجاء يستطلع خبري، وفي غفلة مني كان الدفتر وجبة شهية لذلك الأقرن، وكأنه يقول لي : بلاش هباب ! . كان ذلك بعد " النكسة " وكانت تلك الحادثة نكسة أخرى، وكنت أعتقد أنها الأخيرة .
كنت غاضبا من صنيع التيس، وكنت أتمنى من والدي أن يجزره على " الراجوحة " ذات الثلاث شعب، لكن والدي يعرف قيمة " الفحل " ولا يعنيه أبدا في تلك المرحلة ولا التي تليها أن أكون من فحول اللغة والأدب . وفي سنة لاحقة كان صوت لبلبة التيس ينشرح له خاطر والدي ويضيق صدره حين يسمعني أردد " أبجد هوّز حطي كلمن " فيضرب كفا بكف ويقول متحسرا: باطل ! .. وهذا يعني أني منحرف فكريا عما يفكر فيه هو يرحمه الله .
وخلال سنين الدراسة العجاف لم تكن اللغة ذات أهمية بالنسبة لي، فلا شيء يسر الخاطر، وكنت أكره مادة التعبير حتى جاء أستاذي الرائع " يوسف الجفال " وكان تدريسه لنا في الوقت الضائع، حيث لم أر مدرسا مثله في تحبيب المنهج للطالب، وأذكر أنه ألقى علينا قصيدة من حافظته لشاعر عراقي معاصر وأخذ يشرحها ويستنبط منها المعاني البلاغية . ومن خلال أسلوبه المشوق عشقت اللغة والأدب، فأخذت أقرأ، ووجدت في نفسي ميلا للكتابة والتعبير عما يجيش في خاطري، لكني ما زلت ضعيفا في اللغة، فطلبت من أستاذي الفاضل " عيسى العبيدان " أن يجلب لي معه كتاب " الوافي " وكان في طريقه إلى جدة، فقال لي : على هالخشم ! كعادته في تلبية أي طلب . وبالفعل أحضر الكتاب ومعه مجموعة من الكتب، من بينها " جواهر الأدب " هدية منه يرحمه الله . ومن ذلك التاريخ بدأت الكتابة العشوائية. فهل كان التيس على حق حين التهم الدفتر ؟ لا بد وأن الجواب حاضر في هذا المقال، وأن صاحبه يرتكب جريمة في حق اللغة . وإذا كنت أتحدث عن " مجزرة اللغة " وجزاري اللغة، فإني أحد هؤلاء الجزارين الذين لا يبالون إن كانت الجزارة أوصالا أو ريشا أو لعمل الكفتة والكباب . وقد تغفر اللغة لي ولمن هم في مستواي ( الثانوي ) هذه الجزارة، لكنها أبدا لن تغفر لبعض حملة الماجستير والدكتوراه، ذلك حين تجد في كتاباتهم من الضعف ما يترفع عنه الابتدائي في زمن " التيس " سالف الذكر .
لا بد وأن هناك خللا في نظرتنا للغة، خلل لا يصلحه إلا من كان في مستوى وتفكير أستاذي " يوسف الجفال " .
ومعذرة أيتها البحر !
والسلام
كنت غاضبا من صنيع التيس، وكنت أتمنى من والدي أن يجزره على " الراجوحة " ذات الثلاث شعب، لكن والدي يعرف قيمة " الفحل " ولا يعنيه أبدا في تلك المرحلة ولا التي تليها أن أكون من فحول اللغة والأدب . وفي سنة لاحقة كان صوت لبلبة التيس ينشرح له خاطر والدي ويضيق صدره حين يسمعني أردد " أبجد هوّز حطي كلمن " فيضرب كفا بكف ويقول متحسرا: باطل ! .. وهذا يعني أني منحرف فكريا عما يفكر فيه هو يرحمه الله .
وخلال سنين الدراسة العجاف لم تكن اللغة ذات أهمية بالنسبة لي، فلا شيء يسر الخاطر، وكنت أكره مادة التعبير حتى جاء أستاذي الرائع " يوسف الجفال " وكان تدريسه لنا في الوقت الضائع، حيث لم أر مدرسا مثله في تحبيب المنهج للطالب، وأذكر أنه ألقى علينا قصيدة من حافظته لشاعر عراقي معاصر وأخذ يشرحها ويستنبط منها المعاني البلاغية . ومن خلال أسلوبه المشوق عشقت اللغة والأدب، فأخذت أقرأ، ووجدت في نفسي ميلا للكتابة والتعبير عما يجيش في خاطري، لكني ما زلت ضعيفا في اللغة، فطلبت من أستاذي الفاضل " عيسى العبيدان " أن يجلب لي معه كتاب " الوافي " وكان في طريقه إلى جدة، فقال لي : على هالخشم ! كعادته في تلبية أي طلب . وبالفعل أحضر الكتاب ومعه مجموعة من الكتب، من بينها " جواهر الأدب " هدية منه يرحمه الله . ومن ذلك التاريخ بدأت الكتابة العشوائية. فهل كان التيس على حق حين التهم الدفتر ؟ لا بد وأن الجواب حاضر في هذا المقال، وأن صاحبه يرتكب جريمة في حق اللغة . وإذا كنت أتحدث عن " مجزرة اللغة " وجزاري اللغة، فإني أحد هؤلاء الجزارين الذين لا يبالون إن كانت الجزارة أوصالا أو ريشا أو لعمل الكفتة والكباب . وقد تغفر اللغة لي ولمن هم في مستواي ( الثانوي ) هذه الجزارة، لكنها أبدا لن تغفر لبعض حملة الماجستير والدكتوراه، ذلك حين تجد في كتاباتهم من الضعف ما يترفع عنه الابتدائي في زمن " التيس " سالف الذكر .
لا بد وأن هناك خللا في نظرتنا للغة، خلل لا يصلحه إلا من كان في مستوى وتفكير أستاذي " يوسف الجفال " .
ومعذرة أيتها البحر !
والسلام