إن الدارس المتقصي لتاريخ السياسة الخارجية الآمريكية لابد أن تواجهه الحقائق التي تدل بوضوح أن هناك خطين أساسيين لهذه السياسة يذهبان إلى حد التناقض والتعارض تدور حولهما بل تتوزعهما المفاهيم السياسية المتراوحة بين التطلعات الديمقراطية وبين النوازع المتصلة بواقعها كدولة عظمى ، وقد ذهب ( وليم اولبريت ... ) إلى أن هناك أمريكيتين أثنتين تبعا لمعالم التناقض الظاهر في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية ، أمريكا ( لنكولن ، وستيفنسون ) والآخرى امريكا ( تيودور روزفلت وغلاة الوطنية المحدثين ) الأولى كريمة خيرة إنسانية والآخرى تحكمها أنانية وضيق أفق ، الآولى تعتد بذاتها والثانية تؤمن بأنها دائما على صواب ،الآولى حساسة والثانية رومانتيكية ، أحدهما مرحة والآخرى عابسة ، الآولى معتدلة والآخرى مشحونة بعنف العاطفة والإنفعال ، الآولى حكيمة متزنة والثانية حمقاء في استخدامها للقوة المفرطة .
لقد دأبت أمريكا في سنوات قوتها العظيمة على أن تحير العالم ، بأن تقدم له في وقت ما وجه أمريكا الآولى ثم تدير له الوجه الآخر مرة ثانية ، وقد تقدم للعالم الوجهين معا وتعتقد دول كثيرة في مختلف أجزاء العالم بأن أمريكا قادرة على التسامح وبعد النظر ولكنها قادرة أيضا على أن تضمر سوء النية ، ونتج عن ذلك عدم القدرة على توقع أفعال أمريكا ، مما أدى إلى قلة الفهم وضياع الثقة في أهداف أمريكا ونواياها .
وهكذا ظلت السياسة الأمريكية تتراوح بين الظهورللعالم بوجهين ، وجه إنساني مثالي ووجه متزمت عنيف يتدخل في شئوون دول العالم بهدف جعل أمريكا بوليس العالم ،ولبث هذان الوجهان يتعايشان حقبة من الزمن حتى طغى الجانب المظلم على نقيضه المشرق وطفقت خطوط سياسة العظمة تتبلور في محاولةمنها لترتيب أوضاع العالم حسب أفكارها الخاصة وصياغة العالم على مثلها.
والمملكة العربية السعودية فطنت لهذه السياسة منذ تأسيسها ولا أدل على ذلك مادار في المقابلة الشهيرة بين الملك عبدالعزيز رحمه الله والرئيس الأمريكي (روزفلت ) بناء على دعوة الرئيس الآمريكي وذلك عام 1945 عند مدخل البحر الأحمر على ظهر الطراد الآمريكي ( كونس) فعندما التقى الملك بالرئيس بادره ( روزفلت ) قائلا: " إنني سعيد برؤيتكم فمالذي يمكنني فعله من أجلكم" ،وأجابه الملك عبدالعزيز : " لقد سعدت بإستقبالكم الودي ولكن أنتم من دعاني وأعتقد أن لديكم ماتقولونه لي " ،ثم صمت الملك حتى أجبر محدثه على كشف أوراقه فاندفع الرئيس في ذكر الموضوع الذي كان يشغله وهو مستقبل اليهود في فلسطين وعندها أجابه الملك (لا) فأصيب الرئيس بخيبة أمل لأنه يجهل حقيقة الرجل الذي دعاه لزيارته ( إنه ملك مهيب عربي الصميم )فأدلى الرئيس في مؤتمر صحفي بتصريح قائلا : " إن ماعرفه من الملكعبدالعزيز عن فلسطين في خمس دقائق أكثر مما عرفه في حياته كلها "
وتتكرر المواقف بين حكام هذه البلاد المباركة والساسة الآمريكيين بعد (38) عام خلال مقابلة وزير الخارجية الآمريكية للملك فيصل عام 1973 م عندما أوقف الملك فيصل ضخ البترول ، وعنداللقاء قال وزير الخارجية ( هنري كيسنجر ) للملك فيصل أن الرئيس ( نيكسون ) والحكومة الآمريكية يتعهدان بالضغط على إسرائيل للإنسحاب من الأراضي العربية وتأمين عروبةالقدس ، ويرد الملك فيصل بهدوءه المعهود : " (هذا أمر جيد ) ولكنني أرفض الضمانات التي تعطى داخل غرف الإجتماعات المغلقة وأطلب أن تكون الضمانات علنية في بيان رسمي "، فذهل الوزير الآمريكي ولم يصدق ماسمع وأراد مناقشة الملك بأن الشرط عسير وغير معقول ، ولكن الملك أسكته قائلا بأنه قال كل مالديه وليس مستعد لمناقشة الموضوع.
وفي موقف مشابه للرئيس أوباما مع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه عند لقائهما في الرياض حينما أراد الرئيس إملاء بعض الشروط ضرب الملك عبدالله الطاولة بيده قائلا : " يافخامة الرئيس لاخطوط حمراء منك مرة أخرى "
ومن المؤكد أن الملك سلمان سوف يسمع ضيفه الرئيس أوباما أثناد زيارته للمملكة الإسبوع القادم وجهة نظر مشابهة للمواقف السابقة ، مما يجعل سيادة الرئيس الآمريكي يدرك إن توسع الإمبروطوريات وتضخمها كان على مدار التاريخ السبب الأول لإنهيارها ، فهل بلغت أمريكا القمة التي يبدأ منها انحدارها ، ومن الملاحظ أن تعاظم قوة أمريكا واتساع نفوذها جعل مكانتها تنحدر ، وساءت سمعتها في أوساط الدول وتضاءلت الثقة بها ، بسبب تنكرها لرسالتها ، رسالة المؤسسيين الذين أعلوا شأن الديمقراطية ووضعوا وثيقة حقوق الإنسان.
هكذا يتضح أن عظمة القوة التي تفرض نفسها على مجمل السياسات الأمريكية الخارجية ، قد جعلت من أمريكا الدركي الذي يحاول خنق أصوات الإحتجاج التي تصدر حتى من الأصدقاء والحلفاء ، وتلك سياسةضالة لابد من أن تؤدي مع الأيام إلى صحوة هؤلاء الحلفاء والأصدقاء ثم إلى نقمتهم واعتراضهم بشتى الوسائل وبجميع الأشكال فتعدوا قوة أمريكا سببا في دمارها حيث من العجيب حقا أن تتابع أمريكا إعتبار نفسها ملاك الرحمة المرسل من الله لإنقاذ العالم بينما تراها الأمم وشعوبها في صورة الشيطان وتتعالى الهتافات في كل مكان ( الموت لأمريكا )
عضو مجلس المنطقة
اللواء المتقاعد
عبدالله بن كريم بن عطية
لقد دأبت أمريكا في سنوات قوتها العظيمة على أن تحير العالم ، بأن تقدم له في وقت ما وجه أمريكا الآولى ثم تدير له الوجه الآخر مرة ثانية ، وقد تقدم للعالم الوجهين معا وتعتقد دول كثيرة في مختلف أجزاء العالم بأن أمريكا قادرة على التسامح وبعد النظر ولكنها قادرة أيضا على أن تضمر سوء النية ، ونتج عن ذلك عدم القدرة على توقع أفعال أمريكا ، مما أدى إلى قلة الفهم وضياع الثقة في أهداف أمريكا ونواياها .
وهكذا ظلت السياسة الأمريكية تتراوح بين الظهورللعالم بوجهين ، وجه إنساني مثالي ووجه متزمت عنيف يتدخل في شئوون دول العالم بهدف جعل أمريكا بوليس العالم ،ولبث هذان الوجهان يتعايشان حقبة من الزمن حتى طغى الجانب المظلم على نقيضه المشرق وطفقت خطوط سياسة العظمة تتبلور في محاولةمنها لترتيب أوضاع العالم حسب أفكارها الخاصة وصياغة العالم على مثلها.
والمملكة العربية السعودية فطنت لهذه السياسة منذ تأسيسها ولا أدل على ذلك مادار في المقابلة الشهيرة بين الملك عبدالعزيز رحمه الله والرئيس الأمريكي (روزفلت ) بناء على دعوة الرئيس الآمريكي وذلك عام 1945 عند مدخل البحر الأحمر على ظهر الطراد الآمريكي ( كونس) فعندما التقى الملك بالرئيس بادره ( روزفلت ) قائلا: " إنني سعيد برؤيتكم فمالذي يمكنني فعله من أجلكم" ،وأجابه الملك عبدالعزيز : " لقد سعدت بإستقبالكم الودي ولكن أنتم من دعاني وأعتقد أن لديكم ماتقولونه لي " ،ثم صمت الملك حتى أجبر محدثه على كشف أوراقه فاندفع الرئيس في ذكر الموضوع الذي كان يشغله وهو مستقبل اليهود في فلسطين وعندها أجابه الملك (لا) فأصيب الرئيس بخيبة أمل لأنه يجهل حقيقة الرجل الذي دعاه لزيارته ( إنه ملك مهيب عربي الصميم )فأدلى الرئيس في مؤتمر صحفي بتصريح قائلا : " إن ماعرفه من الملكعبدالعزيز عن فلسطين في خمس دقائق أكثر مما عرفه في حياته كلها "
وتتكرر المواقف بين حكام هذه البلاد المباركة والساسة الآمريكيين بعد (38) عام خلال مقابلة وزير الخارجية الآمريكية للملك فيصل عام 1973 م عندما أوقف الملك فيصل ضخ البترول ، وعنداللقاء قال وزير الخارجية ( هنري كيسنجر ) للملك فيصل أن الرئيس ( نيكسون ) والحكومة الآمريكية يتعهدان بالضغط على إسرائيل للإنسحاب من الأراضي العربية وتأمين عروبةالقدس ، ويرد الملك فيصل بهدوءه المعهود : " (هذا أمر جيد ) ولكنني أرفض الضمانات التي تعطى داخل غرف الإجتماعات المغلقة وأطلب أن تكون الضمانات علنية في بيان رسمي "، فذهل الوزير الآمريكي ولم يصدق ماسمع وأراد مناقشة الملك بأن الشرط عسير وغير معقول ، ولكن الملك أسكته قائلا بأنه قال كل مالديه وليس مستعد لمناقشة الموضوع.
وفي موقف مشابه للرئيس أوباما مع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه عند لقائهما في الرياض حينما أراد الرئيس إملاء بعض الشروط ضرب الملك عبدالله الطاولة بيده قائلا : " يافخامة الرئيس لاخطوط حمراء منك مرة أخرى "
ومن المؤكد أن الملك سلمان سوف يسمع ضيفه الرئيس أوباما أثناد زيارته للمملكة الإسبوع القادم وجهة نظر مشابهة للمواقف السابقة ، مما يجعل سيادة الرئيس الآمريكي يدرك إن توسع الإمبروطوريات وتضخمها كان على مدار التاريخ السبب الأول لإنهيارها ، فهل بلغت أمريكا القمة التي يبدأ منها انحدارها ، ومن الملاحظ أن تعاظم قوة أمريكا واتساع نفوذها جعل مكانتها تنحدر ، وساءت سمعتها في أوساط الدول وتضاءلت الثقة بها ، بسبب تنكرها لرسالتها ، رسالة المؤسسيين الذين أعلوا شأن الديمقراطية ووضعوا وثيقة حقوق الإنسان.
هكذا يتضح أن عظمة القوة التي تفرض نفسها على مجمل السياسات الأمريكية الخارجية ، قد جعلت من أمريكا الدركي الذي يحاول خنق أصوات الإحتجاج التي تصدر حتى من الأصدقاء والحلفاء ، وتلك سياسةضالة لابد من أن تؤدي مع الأيام إلى صحوة هؤلاء الحلفاء والأصدقاء ثم إلى نقمتهم واعتراضهم بشتى الوسائل وبجميع الأشكال فتعدوا قوة أمريكا سببا في دمارها حيث من العجيب حقا أن تتابع أمريكا إعتبار نفسها ملاك الرحمة المرسل من الله لإنقاذ العالم بينما تراها الأمم وشعوبها في صورة الشيطان وتتعالى الهتافات في كل مكان ( الموت لأمريكا )
عضو مجلس المنطقة
اللواء المتقاعد
عبدالله بن كريم بن عطية