حدث في ليلة العمر!
الرومانسية، أو مايعرف بكلام الغزل الذي يحاكي مشاعر الحبيب، نوعٌ من المداعبة النفسية التي تجعلنا نتشبث بإنسانيتنا، مثل الحصان الهائج؛ فبمجرد سماعنا الكلام الرومانسي يستطيع ترويضينا لمن غرد به والانصياع أحياناً له. وفي الحقيقة أحياناً نحتاج إلى ذلك الكلام والبوح به، لأنه يريح أعصابنا ويجعلنا نتعلق بتلك الكلمات البنفسجية المغطاة بغلاف وشريط وردي، وينبعث منها ثاني أكسيد الحب الذي يشبه في الحقيقة وصفة تخدر أوجاعنا فتنقلنا إلى مراسي الاشتياق. والوقوف أمام تلك اللحظة الفاتنة هو صدفة تبث هواء معطرًا مثيراً وبالغ النشوة ذو رجفة قاتلة من الروعة والجمال؛ إنها سحر اللحظة الأولى، ولكن كيف نعبر عن الرومانسية في العصر الجديد؟
هل بإرسال أغاني عبدالحليم، أم برسائل معطرة بها مناديل وردية تفوح منها أنفاس الحبيب؟
لاشك أني أتكلم عن فترة الزمن الجميل وسهرات كوكب الشرق، تلك الفترة التي انتهت بحلاوة شخصياتها والتعابير الفواحة، والتي هي أعلى مراحل الصدق مع الذات والشريك.
لفت عينيّ العسليتين اللتين تشربتا ملامح الزمن الجميل وقارنتا بين تلك الفترة الذهبية الكلاسيكية وبين رومانسية عصر اليوم المختلف كلياً عن تلك المرحلة العتيقة، التي زاد تراكم الغبار عليها حتى بدت مهترئة بالية، إن حالة الإدمان التي غزت العرب من سحر الدراما التركية والكورية منذ سنوات وما زالت ما هو إلا نتاج من طفرة الرومانسية التي تحنطت في دواخلنا فأعادت إلينا ألوان مشاعرنا بعد أن بهتت من تقلبات الحياة ومرافقها، فقد لعبت الصدفة دورها المحوري، فجعلتني أقارن مقارنة تميل إلى الغرابة في زواجاً سعيد لأحد الأصدقاء دخل قاعة الاحتفالات وهو يمتطي أحد الخيول الأصيلة، وفور نزوله سحب أحد أجهزة الصوت «المايكروفون» وجهز حنجرتة الذهبية لغناء: «يمه ركبي العروس على البعير» إلى أن دخل صالة الحريم!
وفي أثناء هذا المشهد المثير تعالت الصرخات الناعمة من زوايا القاعة النسائية في مشهد رومانسي مضحك امتلأ بحالة ضحك هستيرية في القسم المخصص للرجال. أذكر أن العريس اتفق على هذا المشهد مع والدته بحسب ما بلغني، ورغم غرابة هذا المشهد فإنني استمتعت به كثيراً، ولوهلة شعرت بأن هذا العريس كسر روتين المناسبات السعيدة وعبر عن رومانسيته بطريقة جديدة غريبة، حيث خرج على المألوف إلى طريقته التي تصب في نهر الحب، الذي أعلن صافرته في قلبه. فعلاً عرفت في تلك اللحظة أننا نحن معشر الرجال لا نميل إلى الجفاف العاطفي، ولسنا كذلك فاشلين في التعبير عن مشاعرنا «بطرق إفرنجية» كما قيل عنا، بل على العكس تماماً، شعرت بأننا رومانسيون ونؤلف روايات عصر الرومانسية الجديد، ونجعل ذكرى ليلة العمر لا تنسى. ربما البعض ينتقد ما فعله العريس، ولكن في طبيعة الحال لكل رجل تركيبته وطريقته، فالتوقف عن الاستيراد التقليدي أمر جميل يدعو للبهجة، ولكن البذخ الجاهلي ونحن بكامل إدراكنا العقلي هو المصيبة التي نعيشها في هذا الايام؛ ومن ذلك تقديم دهن العود باهظ الثمن للاغتسال بعد بوفيهات الأعراس، فهو حالة تعبر عن تخلف نابع من نماذج '' هياط أدول هاي كلاس'' لم تقدّر نعم الله عز و جل..
نابع من عقل لم يعِ من قصص النازحين بالمخيمات والبرد القارص يلسع اجسادهم سوى لسان يقرأ و عقل لا يعي ... عجبآ لهم حين يموت ألف بل ملايين الأطفال والبشر في العالم وهم بين نعيم وترف سرعان ما قد يتحول ويزول كلمح البصر! مؤلم حقآ أننا مازلنا ندّعي التطور ونحن لا نشعر بالضعفاء ..
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل ''السفهاء'' منا.
نسأل الله لنا ولهم التوبة والهداية.
للكاتب
فارس الغنامي
الرومانسية، أو مايعرف بكلام الغزل الذي يحاكي مشاعر الحبيب، نوعٌ من المداعبة النفسية التي تجعلنا نتشبث بإنسانيتنا، مثل الحصان الهائج؛ فبمجرد سماعنا الكلام الرومانسي يستطيع ترويضينا لمن غرد به والانصياع أحياناً له. وفي الحقيقة أحياناً نحتاج إلى ذلك الكلام والبوح به، لأنه يريح أعصابنا ويجعلنا نتعلق بتلك الكلمات البنفسجية المغطاة بغلاف وشريط وردي، وينبعث منها ثاني أكسيد الحب الذي يشبه في الحقيقة وصفة تخدر أوجاعنا فتنقلنا إلى مراسي الاشتياق. والوقوف أمام تلك اللحظة الفاتنة هو صدفة تبث هواء معطرًا مثيراً وبالغ النشوة ذو رجفة قاتلة من الروعة والجمال؛ إنها سحر اللحظة الأولى، ولكن كيف نعبر عن الرومانسية في العصر الجديد؟
هل بإرسال أغاني عبدالحليم، أم برسائل معطرة بها مناديل وردية تفوح منها أنفاس الحبيب؟
لاشك أني أتكلم عن فترة الزمن الجميل وسهرات كوكب الشرق، تلك الفترة التي انتهت بحلاوة شخصياتها والتعابير الفواحة، والتي هي أعلى مراحل الصدق مع الذات والشريك.
لفت عينيّ العسليتين اللتين تشربتا ملامح الزمن الجميل وقارنتا بين تلك الفترة الذهبية الكلاسيكية وبين رومانسية عصر اليوم المختلف كلياً عن تلك المرحلة العتيقة، التي زاد تراكم الغبار عليها حتى بدت مهترئة بالية، إن حالة الإدمان التي غزت العرب من سحر الدراما التركية والكورية منذ سنوات وما زالت ما هو إلا نتاج من طفرة الرومانسية التي تحنطت في دواخلنا فأعادت إلينا ألوان مشاعرنا بعد أن بهتت من تقلبات الحياة ومرافقها، فقد لعبت الصدفة دورها المحوري، فجعلتني أقارن مقارنة تميل إلى الغرابة في زواجاً سعيد لأحد الأصدقاء دخل قاعة الاحتفالات وهو يمتطي أحد الخيول الأصيلة، وفور نزوله سحب أحد أجهزة الصوت «المايكروفون» وجهز حنجرتة الذهبية لغناء: «يمه ركبي العروس على البعير» إلى أن دخل صالة الحريم!
وفي أثناء هذا المشهد المثير تعالت الصرخات الناعمة من زوايا القاعة النسائية في مشهد رومانسي مضحك امتلأ بحالة ضحك هستيرية في القسم المخصص للرجال. أذكر أن العريس اتفق على هذا المشهد مع والدته بحسب ما بلغني، ورغم غرابة هذا المشهد فإنني استمتعت به كثيراً، ولوهلة شعرت بأن هذا العريس كسر روتين المناسبات السعيدة وعبر عن رومانسيته بطريقة جديدة غريبة، حيث خرج على المألوف إلى طريقته التي تصب في نهر الحب، الذي أعلن صافرته في قلبه. فعلاً عرفت في تلك اللحظة أننا نحن معشر الرجال لا نميل إلى الجفاف العاطفي، ولسنا كذلك فاشلين في التعبير عن مشاعرنا «بطرق إفرنجية» كما قيل عنا، بل على العكس تماماً، شعرت بأننا رومانسيون ونؤلف روايات عصر الرومانسية الجديد، ونجعل ذكرى ليلة العمر لا تنسى. ربما البعض ينتقد ما فعله العريس، ولكن في طبيعة الحال لكل رجل تركيبته وطريقته، فالتوقف عن الاستيراد التقليدي أمر جميل يدعو للبهجة، ولكن البذخ الجاهلي ونحن بكامل إدراكنا العقلي هو المصيبة التي نعيشها في هذا الايام؛ ومن ذلك تقديم دهن العود باهظ الثمن للاغتسال بعد بوفيهات الأعراس، فهو حالة تعبر عن تخلف نابع من نماذج '' هياط أدول هاي كلاس'' لم تقدّر نعم الله عز و جل..
نابع من عقل لم يعِ من قصص النازحين بالمخيمات والبرد القارص يلسع اجسادهم سوى لسان يقرأ و عقل لا يعي ... عجبآ لهم حين يموت ألف بل ملايين الأطفال والبشر في العالم وهم بين نعيم وترف سرعان ما قد يتحول ويزول كلمح البصر! مؤلم حقآ أننا مازلنا ندّعي التطور ونحن لا نشعر بالضعفاء ..
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل ''السفهاء'' منا.
نسأل الله لنا ولهم التوبة والهداية.
للكاتب
فارس الغنامي