بارعون في المعارضة فقط!
س/ لماذا نحن بارعون في المعارضة فقط؟
أجبت على هذا السؤال خلال انطوائي وأثناء تصفح كتب الفلسفة، ومع إشعال سيجارة التفكير الحر المنضبط تحت ضوء القمر في إحدى الليالي مع أحد الكتاب البارزين بالمنطقة، الذي رافقني إلى معرض الكتاب.
حاولت جاهداً أن أبتعد عن إحدى الإجابات الواقعية منه، التي في الحقيقة أنا مقتنع بها اقتناعاً «تاماً»، كونه مارس في الفكر والكتابة والفلسفة، وله تجارب تثريني كثيراً.
وبينما كنت أحدق، بعد أن عدت بمشهد غروب الشمس بمحافظة «حقل» كثيراً مايدور هذا السؤال بداخلي، فتسقط أمامي أجوبة عدة تخرج من رأسي بتبريرات عدة، وأحياناً تتغير الإجابة بحسب معطيات الموجود، أو بحسب «جهل» المعارض والتسليك له فقط لإنهاء الجدل العقيم القائم في بعض الخلافات التافهة، التي أترفع دائماً عنها من أشباه المثقفين.
إحدى الإجابات تلك التي نحن نؤمن بها:
- لطفاً قدم حل بالحوار قبل شيطنة الاخر والتربص به.
- قف عن التباهي بمخزون الثقافة الذي تملك، والذي تراه عينك أنه تجاوز مخزون النفط بالعالم.
- ما الفائدة من المعارضة إذا أنت في الواقع مجرد «إمعة»؟!
- ما الفائدة من النقاش مع عقليات متزمته وكل مالديها «خالف تعرف» لمآرب شخصية؟
أعرف أن الإجابات كثيرة ولا أستطيع اختزالها بمقالة قصيرة.
أجد كثيراً ً «ظاهرة» عجيبة منتشرة في أوساط أشباه المثقفين، مع أني لست من هواة مجالسة هؤلاء متصنعي الثقافة، التي يعتبرونها مجرد واجهة أجتماعية لجذب أكبر عدد من ضعاف العقول لتمجيدهم وإضافة إنجازات وبطولات وانتصارات مزعومة.
في الفترة التي قضيتها في الولايات المتحدة الأمريكية وجدت من المعيب قطع المحاور وتهميش الحوار وقولبته مع تغليفه بغلاف فاخر بشخصنة، وتحويل قضية النقاش إلى مجرد «سوالف» بلا هدف، وكأننا في مقهى، حيث نتكلم ونتكلم فقط لإنهاء وقت «الارجيلة» مع مرافق هو في الحقيقة ديكور فقط، مستلقٍ وسماعة هاتفه في أذنه، وهذا المستلقي أصبح قيصر زمانه في النقد والمعارضة!
يقول توماس بين: «إن محاولتنا أن نناقش ونفند ونتحاور مع متلقٍّ ترك أي منطق عقلاني أشبه بإعطاء الدواء لجثة».
الناقد الحقيقي الذي يقدم الحل لا أن ينتقد ويحلل من بعيد بمجرد «أنا معارض إذاً أنا موجود».
الناقد الحقيقي يبعد صلة المعرفة بك والعلاقة الخاصة التي تربطه بك، على سبيل المثال؛ عندما نتحدث أن كثرة الصحف الالكترونية بالمملكة لها سلبيات وإيجابيات، فما دخل الحوار القائم بيننا بأن نقحم الخلافات الشخصية مع رؤساء التحرير في الحوار ونصفهم بغير اللائق؟ فنحن نتكلم بشمولية ونضع آراءنا وتطلعاتنا، بحكم تجاربنا، في قضية معينة تخدم الرأي العام وتهدف إلى إيصال الصوت. البعض يقطع الحوار ويتهجم على رئيس تحرير ما، ضارباً عرض الحائط بقضية الحوار وأهدافها السامية، وباكورة هذا الحوار وما سيكون نتاجاً ينمّي ويصحح سير العجلة.
أشباه المثقفين انتشرو في المجتمع، وحتى عندما نجتمع معهم على رغم أنها مجرد مجاملة لهم في مجموعات «الواتساب» عندما تقدم رأياً ما يتم إقصاؤك وتهميش الرأي، بعد الاتفاق عليك طبعاً من مجموعة معدة مسبقاً للإطاحة بك.
ويأتي الناقد، على «الخاص» بعد حفلة تجريح متفق عليها مسبقاً، يقدم «الاعتذار» بالخفاء، خوفاً على مصالحه الشخصية التي تربطه بك وتربطه بهم.
أذكر قصة، أخبرتني بها محاضرة بجامعة كامبردج البريطانية تدعى الدكتورة روشيلد، وهي امراة في الخمسينات من العمر، وتعتبر عصبية بطبيعتها جداً وتنفعل سريعاً، قالت لي إن طالباً تغيّب عن كل الاختبارات بسبب موقف حصل، وهو في آخر سنة دراسية له، وعندما راجع مكتب الدكتورة من أجل إعادة الاختبار قالت له:
- أنت غبي؟ كيف لك ألّا تأتي إلى الاختبارات؟
- أنت شاب أحمق تبحث عن الكحول والعاهرات في البارات وقت الاختبارات؟
- انظر في المرآة، عيناك من شدة الثمل والسهر تفضحانك؟
- لماذا تصمت؟ أجب!
وبعد التوبيخ بدقائق رد عليها الطالب وهو يبكي:
«لقد تغيبت عن الاختبارات بسبب وفاة عائلتي بحريق نشب في بيتنا بالريف»!
بعد هذه الكلمات التي هزت مشاعر الدكتوره روشيلد، والميلو دراما التي طغت في المكتب، عانقت الطالب واعتذرت منه، لكنها شعرت بأن عذرها أقبح من ذنب، فقدمت استقالتها من الجامعة، وذهبت إلى الريف وشاهدت رماد المنزل. وفي لحظة شعرت الدكتورة بأن الأعذار في الوقت المتأخر لن تفيد، ولن ترجع تلك الارواح التي رحلت، ولاحتى أن ترمم تلك الجروح التي تنزف. والغريب أنها ماتزال تحمل الازهار إلى قبور عائلة ذلك الطالب بشكل مستمر.
.. إذا خليت خربت! ليتنا نستورد تلك القلوب لبعض أشباه المثقفين. مع تلك الماركات التي نلبسها..
عزيزي صعلوك النقد! طور نفسك وارتقِ بمفرداتك قبل أن تغرق نفسك بجهل غباءك.
للكاتب
فارس الغنامي
س/ لماذا نحن بارعون في المعارضة فقط؟
أجبت على هذا السؤال خلال انطوائي وأثناء تصفح كتب الفلسفة، ومع إشعال سيجارة التفكير الحر المنضبط تحت ضوء القمر في إحدى الليالي مع أحد الكتاب البارزين بالمنطقة، الذي رافقني إلى معرض الكتاب.
حاولت جاهداً أن أبتعد عن إحدى الإجابات الواقعية منه، التي في الحقيقة أنا مقتنع بها اقتناعاً «تاماً»، كونه مارس في الفكر والكتابة والفلسفة، وله تجارب تثريني كثيراً.
وبينما كنت أحدق، بعد أن عدت بمشهد غروب الشمس بمحافظة «حقل» كثيراً مايدور هذا السؤال بداخلي، فتسقط أمامي أجوبة عدة تخرج من رأسي بتبريرات عدة، وأحياناً تتغير الإجابة بحسب معطيات الموجود، أو بحسب «جهل» المعارض والتسليك له فقط لإنهاء الجدل العقيم القائم في بعض الخلافات التافهة، التي أترفع دائماً عنها من أشباه المثقفين.
إحدى الإجابات تلك التي نحن نؤمن بها:
- لطفاً قدم حل بالحوار قبل شيطنة الاخر والتربص به.
- قف عن التباهي بمخزون الثقافة الذي تملك، والذي تراه عينك أنه تجاوز مخزون النفط بالعالم.
- ما الفائدة من المعارضة إذا أنت في الواقع مجرد «إمعة»؟!
- ما الفائدة من النقاش مع عقليات متزمته وكل مالديها «خالف تعرف» لمآرب شخصية؟
أعرف أن الإجابات كثيرة ولا أستطيع اختزالها بمقالة قصيرة.
أجد كثيراً ً «ظاهرة» عجيبة منتشرة في أوساط أشباه المثقفين، مع أني لست من هواة مجالسة هؤلاء متصنعي الثقافة، التي يعتبرونها مجرد واجهة أجتماعية لجذب أكبر عدد من ضعاف العقول لتمجيدهم وإضافة إنجازات وبطولات وانتصارات مزعومة.
في الفترة التي قضيتها في الولايات المتحدة الأمريكية وجدت من المعيب قطع المحاور وتهميش الحوار وقولبته مع تغليفه بغلاف فاخر بشخصنة، وتحويل قضية النقاش إلى مجرد «سوالف» بلا هدف، وكأننا في مقهى، حيث نتكلم ونتكلم فقط لإنهاء وقت «الارجيلة» مع مرافق هو في الحقيقة ديكور فقط، مستلقٍ وسماعة هاتفه في أذنه، وهذا المستلقي أصبح قيصر زمانه في النقد والمعارضة!
يقول توماس بين: «إن محاولتنا أن نناقش ونفند ونتحاور مع متلقٍّ ترك أي منطق عقلاني أشبه بإعطاء الدواء لجثة».
الناقد الحقيقي الذي يقدم الحل لا أن ينتقد ويحلل من بعيد بمجرد «أنا معارض إذاً أنا موجود».
الناقد الحقيقي يبعد صلة المعرفة بك والعلاقة الخاصة التي تربطه بك، على سبيل المثال؛ عندما نتحدث أن كثرة الصحف الالكترونية بالمملكة لها سلبيات وإيجابيات، فما دخل الحوار القائم بيننا بأن نقحم الخلافات الشخصية مع رؤساء التحرير في الحوار ونصفهم بغير اللائق؟ فنحن نتكلم بشمولية ونضع آراءنا وتطلعاتنا، بحكم تجاربنا، في قضية معينة تخدم الرأي العام وتهدف إلى إيصال الصوت. البعض يقطع الحوار ويتهجم على رئيس تحرير ما، ضارباً عرض الحائط بقضية الحوار وأهدافها السامية، وباكورة هذا الحوار وما سيكون نتاجاً ينمّي ويصحح سير العجلة.
أشباه المثقفين انتشرو في المجتمع، وحتى عندما نجتمع معهم على رغم أنها مجرد مجاملة لهم في مجموعات «الواتساب» عندما تقدم رأياً ما يتم إقصاؤك وتهميش الرأي، بعد الاتفاق عليك طبعاً من مجموعة معدة مسبقاً للإطاحة بك.
ويأتي الناقد، على «الخاص» بعد حفلة تجريح متفق عليها مسبقاً، يقدم «الاعتذار» بالخفاء، خوفاً على مصالحه الشخصية التي تربطه بك وتربطه بهم.
أذكر قصة، أخبرتني بها محاضرة بجامعة كامبردج البريطانية تدعى الدكتورة روشيلد، وهي امراة في الخمسينات من العمر، وتعتبر عصبية بطبيعتها جداً وتنفعل سريعاً، قالت لي إن طالباً تغيّب عن كل الاختبارات بسبب موقف حصل، وهو في آخر سنة دراسية له، وعندما راجع مكتب الدكتورة من أجل إعادة الاختبار قالت له:
- أنت غبي؟ كيف لك ألّا تأتي إلى الاختبارات؟
- أنت شاب أحمق تبحث عن الكحول والعاهرات في البارات وقت الاختبارات؟
- انظر في المرآة، عيناك من شدة الثمل والسهر تفضحانك؟
- لماذا تصمت؟ أجب!
وبعد التوبيخ بدقائق رد عليها الطالب وهو يبكي:
«لقد تغيبت عن الاختبارات بسبب وفاة عائلتي بحريق نشب في بيتنا بالريف»!
بعد هذه الكلمات التي هزت مشاعر الدكتوره روشيلد، والميلو دراما التي طغت في المكتب، عانقت الطالب واعتذرت منه، لكنها شعرت بأن عذرها أقبح من ذنب، فقدمت استقالتها من الجامعة، وذهبت إلى الريف وشاهدت رماد المنزل. وفي لحظة شعرت الدكتورة بأن الأعذار في الوقت المتأخر لن تفيد، ولن ترجع تلك الارواح التي رحلت، ولاحتى أن ترمم تلك الجروح التي تنزف. والغريب أنها ماتزال تحمل الازهار إلى قبور عائلة ذلك الطالب بشكل مستمر.
.. إذا خليت خربت! ليتنا نستورد تلك القلوب لبعض أشباه المثقفين. مع تلك الماركات التي نلبسها..
عزيزي صعلوك النقد! طور نفسك وارتقِ بمفرداتك قبل أن تغرق نفسك بجهل غباءك.
للكاتب
فارس الغنامي