وجه الخير
توقف المطر والقطر سبع سنين، فهزلت الإبل، والأغنام، ومرض الرجال، والنساء، ومات الأطفال ، وقل الإنجاب، وانتشرت الأمراض، فتداعى الناس للهجرة إلى الكرك والبلقاء، فارتحل من له قدرة، وارتحل كثير منهم إلى باطن الأرض، وآكل الناس ما يدب، حتى الحيات يشويها وكان أحد الشباب يلقبونه بقوته ونجدته بـــــــــــ (وجه الخير)؛ قد قلّب الأمر بعد موت والدته ووالده، وفقدان سائر أغنامه وإبله، فقرر الارتحال لطلب الرزق، وغاب أشهر متعددة؛ فإذا هو في أحد الأيام وهو يجوب الصحراء يرى بعيرين عن قرب، فدلف لهما وأخذ يترقب يمينه ويسرة يختفي تارة ويظهر تارة أخرى حتى غابت الشمس، فاقترب منها وإذا بناقتين، فأمتطى إحداهما وأدلج ليله، وكان يسير ليلا ويختفي في الأماكن الآمنة نهاراً حتى بلغ دياره فوجد الأرض خالية خاوية على عروشها، فالناس هاجروا إلا أولئك الذين لا يستطيعون سيرا؛ وقد فقدوا أطفالهم ورجالهم ورواحلهم، ورأى الأرض تتناثر فيها الحيوانات النافقة؛ وقد أهلكها الدهر، وأخذت عيناه تذرفان، ويشتد ألمه، ويهتز أزيز قلبه، وبينما هو جالس إذ رأى شبحا كالإنسان وحرف مطيته نحوه، فلما أقترب أدرك أنها أمراه، وسلم وعرفها؛ فقال لها: أين النزل فقالت: لا نزل في هذه الديار فقد هلك كل شيء، وذهب الأحياء للكهوف ومات أكثرهم ، ولكن إذا كان معك شيئاً فأنقذنا من الجوع؛ فإذا أربعة من النساء يظهرن من جانب صخرة كبيرة وإذا بالجوع قد كشّر نابه وتدفع إلى تلك النساء الهزيلات، فأستخرج (وجه الخير) زاده وأعد لهن الأكل سريعاً؛ وقلن له: معنا سلمى؛ قد هربت لأنها لا لباس لها، فذهب إلى جهتها ونادى وإذا برأس أشعت أغبر؛
فقالت: ياوجه الخير أنا عارية وكانت؛ قد أصرت على أن تجعل ثيابها كفنانا لأمها التي لم تجد رفيقاتها كفنانا لها.
فقال: خذي هذا الكساء على الصخرة، وولىّ إلي النساء؛ وأقترب من إحدى الإبل وعقرها وسلخها وتركهن يتصرفن بها وهن قادرات على الادخار، وأمتطى ناقته الأخرى وذهب إلى (مقنا) أرض التمور ومستودعها، ومن يملك نخلة فيها فإنه من الأغنياء، وإذا (بمقنا) خالية والتمور متهدلة، فملأ حقائبه، وحمل تلك الأثقال على ناقته وعاد لمكان النساء وأنزل التمور عندهن، وركب دابته وأرتحل للكرك باحثا عن بقايا أسرته الذين تفرقوا أشتاتا في البلقاء والكرك وبئر السبع.
الأستاذ الدكتور مسعد بن عيد العطوي
توقف المطر والقطر سبع سنين، فهزلت الإبل، والأغنام، ومرض الرجال، والنساء، ومات الأطفال ، وقل الإنجاب، وانتشرت الأمراض، فتداعى الناس للهجرة إلى الكرك والبلقاء، فارتحل من له قدرة، وارتحل كثير منهم إلى باطن الأرض، وآكل الناس ما يدب، حتى الحيات يشويها وكان أحد الشباب يلقبونه بقوته ونجدته بـــــــــــ (وجه الخير)؛ قد قلّب الأمر بعد موت والدته ووالده، وفقدان سائر أغنامه وإبله، فقرر الارتحال لطلب الرزق، وغاب أشهر متعددة؛ فإذا هو في أحد الأيام وهو يجوب الصحراء يرى بعيرين عن قرب، فدلف لهما وأخذ يترقب يمينه ويسرة يختفي تارة ويظهر تارة أخرى حتى غابت الشمس، فاقترب منها وإذا بناقتين، فأمتطى إحداهما وأدلج ليله، وكان يسير ليلا ويختفي في الأماكن الآمنة نهاراً حتى بلغ دياره فوجد الأرض خالية خاوية على عروشها، فالناس هاجروا إلا أولئك الذين لا يستطيعون سيرا؛ وقد فقدوا أطفالهم ورجالهم ورواحلهم، ورأى الأرض تتناثر فيها الحيوانات النافقة؛ وقد أهلكها الدهر، وأخذت عيناه تذرفان، ويشتد ألمه، ويهتز أزيز قلبه، وبينما هو جالس إذ رأى شبحا كالإنسان وحرف مطيته نحوه، فلما أقترب أدرك أنها أمراه، وسلم وعرفها؛ فقال لها: أين النزل فقالت: لا نزل في هذه الديار فقد هلك كل شيء، وذهب الأحياء للكهوف ومات أكثرهم ، ولكن إذا كان معك شيئاً فأنقذنا من الجوع؛ فإذا أربعة من النساء يظهرن من جانب صخرة كبيرة وإذا بالجوع قد كشّر نابه وتدفع إلى تلك النساء الهزيلات، فأستخرج (وجه الخير) زاده وأعد لهن الأكل سريعاً؛ وقلن له: معنا سلمى؛ قد هربت لأنها لا لباس لها، فذهب إلى جهتها ونادى وإذا برأس أشعت أغبر؛
فقالت: ياوجه الخير أنا عارية وكانت؛ قد أصرت على أن تجعل ثيابها كفنانا لأمها التي لم تجد رفيقاتها كفنانا لها.
فقال: خذي هذا الكساء على الصخرة، وولىّ إلي النساء؛ وأقترب من إحدى الإبل وعقرها وسلخها وتركهن يتصرفن بها وهن قادرات على الادخار، وأمتطى ناقته الأخرى وذهب إلى (مقنا) أرض التمور ومستودعها، ومن يملك نخلة فيها فإنه من الأغنياء، وإذا (بمقنا) خالية والتمور متهدلة، فملأ حقائبه، وحمل تلك الأثقال على ناقته وعاد لمكان النساء وأنزل التمور عندهن، وركب دابته وأرتحل للكرك باحثا عن بقايا أسرته الذين تفرقوا أشتاتا في البلقاء والكرك وبئر السبع.
الأستاذ الدكتور مسعد بن عيد العطوي