التغيير سنة الحياة ، فلا يوم شبيه بالآخر في حياة الانسان ، ولو لم يكن هناك تغيير لما كانت هناك حياة.
والتاريخ الانساني كله سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا صفحات متغيرة . وحتى عندما يعيد التاريخ نفسه فإنه يعيده بمنطق اللحظة التاريخية وموازينها وشروطها ، وقيمها التي تمت فيها الإعادة ، وهي شروط وقيم متغيرة دائمة بتغير الحياة وشروطها.
لقد أظهر غالبية العرب بأنهم معدومي الإرادة ، والرؤية أمام زحف الأخطار عليهم ، وتراهم متفرجين في الوقت الذي تتجزء فيه هذه الدولة أو تلك ، والمخططات تحاك ضدهم لتفعل فعلها في ضحايا قادمة ، وهم ينظرون بين صامت ، وشامت ، ومتفرج ، وعاجز عن الفعل.
لقد غاب عنهم حقيقة أن البلدان العربية التي يجمعها دين وجغرافية ولغة واحدة أشبه ماتكون بحقول القمح المتجاورة فإذا ما اندلع حريق في أحد هذه الحقول فعلى الجميع ان يهبوا لإخماد الحريق قبل أن تأتي نيرانه على بقية الحقول مهما تغيرت اتجاهات ريح فاقدي البصيرة.
إن المتتبع لما جرى في الدول التي طالها التغيير ( ليبيا ، سوريا ، العراق ، اليمن ) وما يلوح في الافق من سيناريوهات لاحقة وأخرى يمهد لها ، يتضح له بأن الذين خططوا لتجزئة هذه الأمة قد نجحو في ذلك وهاهم ينتقلون إلى المرحلة الثانية وهي تفتيت المفتت ، وتقسيم المقسم ، منطلقين من مبادئ عملو على زرعها وترسيخها في أكثر من مكان ، مستفيدين من من غياب التكاتف العربي ، والخطط ذات البعد الاستراتيجي التي تقوم على ربط مصالح الأمة العربية بعرى ثقافية واقتصادية وغيرها.
إن قيام بعض الأنظمة العربية برفض التغيير التدريجي ، وعدم احترام الخصوصيات الثقافية والتنوع الأثني والروحي جعل هذه العوامل تتحول من عناصر قوة و إثراء إلى ثغرات ضعف نفذت من خلالها بعض القوى لهدم العقد الاجتماعي الهش أصلا ، بالعزف على أوتار الديموغراطية وحق تقرير المصير ، وهذا أوجد لها داعما معززا ومصفقا في أكثر من مكان ، فتحولت إلى تيارات سياسية وأحيانا قوى مسلحة تبحث عمن يعبر عنها سياسيا ، وإعلاميا ، ويجعل منها حقيقة واقعة . هكذا كسرت حركات الربيع العربي الشعبية حاجز الخوف ، والوهن التاريخي الذي عاشته المجتمعات العربية عبر قرون ، وخرج المواطنون من حالة الامبالاة بالشأن العام . وهذا أمر سيقود إلى مزيد من الحيوية في الساحة السياسية.
إننا نعيش في عالم متغير من نوع آخر هو ليس بالضرورة نسخة أو استنساخ من عوالم سابقة ، إنه تشكيل جديد يدخل فيه الجزئي بالكلي ، ويتفاعل معه إيجابيا دون المساس بالهوية الفاعلة الحاضرة بالقدر الذي تتواجد وتتفاعل فيه مع الكلي ، لأنه مضطر للإعتراف بها من خلال ديناميكيتها وقدرتها على الإبداع والمشاركة في الناتج الحضاري ، والعالم اليوم مليء بالمفاجآت والأحداث المتسارعة ، تكثر الاجتهادات والرؤى في قراءة ما يحدث فيه ، وطريقة التعاطي معه من منطلق الحرص الأكيد ، وتوخي الموضوعية والمصالح العليا وهنا تبرز اهمية الوعي العميق لمعرفة دور القوى الفاعلة والمؤثره بشكل مباشر أو غير مباشر في سير الأحداث ، لتلافي الوقوع في الأخطاء القاتلة ، ومن نافلة القول أن لكل بلد ظروفه وحساباته . ولكن الأحداث التي جرت في عالمنا العربي أثبتت بأن العرب ليسو أمة عربية واحدة فقط وإنما أمة منتفضة لتشابه المزاج العام ، والمركب الثقافي الجامع بين أبنائها.
والتغيير هو العملية التي من خلالها يقتحم المستقبل حياة الشعوب ، وصدمة المستقبل هي التغيير السريع في وقت قصير ، ويمس الحاضر كما يمس المستقبل ، لقد ثبت أن التغيير سواء كان سياسيا أم اقتصاديا أو اجتماعيا إذا حل استحقاقه ولم يتم من الداخل فسوف يتم تحقيقه من الخارج رعاية لمصالح الداخل والخارج التي أصبحت وحدة واحدة في زمن العولمة.
إن عيون العالم مفتوحة علينا قبل أن تكون عيوننا مفتوحة على أنفسنا ، والعالم يرانا بوضوح أكثر مما نرى أنفسنا . ولعدم معرفتنا بأنفسنا وعدم استطاعتنا بالتالي تشخيص أمراضنا لنقصان المعرفة لدينا ، وإهمال معالجة أمراضنا إلى أن تصبح أورام خبيثة لا ينفع معها الطب العربي التقليدي ، وتحتاج هذه الأورام إلى أطباء راسخين في العلم لكي يزيلوها.
تلك هي التحديات التي تواجه الأمة العربية وهي في جوهرها صميم الأمن العربي ، والأمن الوطني لأي دولة في العالم لم يعد مقتصرا على حدوده الجغرافية بحكم تطور وسائل الاتصالات الحديثة ، وقدرة أفراد المجتمعات غلى التنقل ، ناهيك عن تشابك المصالح ، وتشكل إقتصاديات عابرة للقارات والحدود ، والقوميات ، وإلا كيف يمكن قبول مقولة أن الأمن الامريكي يمتد إلى كافة بقاع العالم ، والادعاء الأوروبي بأن أمن أوروبا يصل إلى جنوب وشرق المتوسط ، وكيف بالكيان الصهيوني الذي بنى عقيدته الأمنية والعسكرية على مقولة أن كل دولة عربية أو اسلامية هي عدو محتمل لاسرائيل و وهذا مبرر مؤامراتها ، وسعيها الحثيث لضرب القوى العربية و الاسلامية أي كان موقعها الجغرافي وهويتها السياسية.
إن مايجري في شمال الوطن العربي وشرقه وغربه هو خطر حقيقي ليس شعور قومي فقط بل مسألة ترتبط ارتباط وثيق بالأمن الوطني لكل دولة عربية ، من الأجدى معالجة أوضاعه ومشكلاته بلغة الفكر المركب والعقل التداولي ، فمهمة المثقفين ليست هجاء أو مدح ما يجري في العالم بل المطلوب تحليل الواقع وفهمه ، عسى أن يغدو التدخل الطوعي في صيروراته و مساراته ممكنا ، وهذا ماقامت به الثقافات الاخرى من أجل التغيير.
وليس بالخبز وحده يعيش الانسان ، فهو مادة وروح وايمان ولكل مكون منها أهميته ودوره ، ومعناه ، وهذا مايلمسه كل مراقب للأحداث الجارية في منطقتنا العربية ، لأن ما حدث وسيحدث سيعيد تشكيل خرائط سياسية جديدة في منطقة الشرق الاوسط الذي أصبح شرقا أوسطيا جديدا بالفعل.
عضو مجلس المنطقة
اللواء متقاعد
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي
والتاريخ الانساني كله سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا صفحات متغيرة . وحتى عندما يعيد التاريخ نفسه فإنه يعيده بمنطق اللحظة التاريخية وموازينها وشروطها ، وقيمها التي تمت فيها الإعادة ، وهي شروط وقيم متغيرة دائمة بتغير الحياة وشروطها.
لقد أظهر غالبية العرب بأنهم معدومي الإرادة ، والرؤية أمام زحف الأخطار عليهم ، وتراهم متفرجين في الوقت الذي تتجزء فيه هذه الدولة أو تلك ، والمخططات تحاك ضدهم لتفعل فعلها في ضحايا قادمة ، وهم ينظرون بين صامت ، وشامت ، ومتفرج ، وعاجز عن الفعل.
لقد غاب عنهم حقيقة أن البلدان العربية التي يجمعها دين وجغرافية ولغة واحدة أشبه ماتكون بحقول القمح المتجاورة فإذا ما اندلع حريق في أحد هذه الحقول فعلى الجميع ان يهبوا لإخماد الحريق قبل أن تأتي نيرانه على بقية الحقول مهما تغيرت اتجاهات ريح فاقدي البصيرة.
إن المتتبع لما جرى في الدول التي طالها التغيير ( ليبيا ، سوريا ، العراق ، اليمن ) وما يلوح في الافق من سيناريوهات لاحقة وأخرى يمهد لها ، يتضح له بأن الذين خططوا لتجزئة هذه الأمة قد نجحو في ذلك وهاهم ينتقلون إلى المرحلة الثانية وهي تفتيت المفتت ، وتقسيم المقسم ، منطلقين من مبادئ عملو على زرعها وترسيخها في أكثر من مكان ، مستفيدين من من غياب التكاتف العربي ، والخطط ذات البعد الاستراتيجي التي تقوم على ربط مصالح الأمة العربية بعرى ثقافية واقتصادية وغيرها.
إن قيام بعض الأنظمة العربية برفض التغيير التدريجي ، وعدم احترام الخصوصيات الثقافية والتنوع الأثني والروحي جعل هذه العوامل تتحول من عناصر قوة و إثراء إلى ثغرات ضعف نفذت من خلالها بعض القوى لهدم العقد الاجتماعي الهش أصلا ، بالعزف على أوتار الديموغراطية وحق تقرير المصير ، وهذا أوجد لها داعما معززا ومصفقا في أكثر من مكان ، فتحولت إلى تيارات سياسية وأحيانا قوى مسلحة تبحث عمن يعبر عنها سياسيا ، وإعلاميا ، ويجعل منها حقيقة واقعة . هكذا كسرت حركات الربيع العربي الشعبية حاجز الخوف ، والوهن التاريخي الذي عاشته المجتمعات العربية عبر قرون ، وخرج المواطنون من حالة الامبالاة بالشأن العام . وهذا أمر سيقود إلى مزيد من الحيوية في الساحة السياسية.
إننا نعيش في عالم متغير من نوع آخر هو ليس بالضرورة نسخة أو استنساخ من عوالم سابقة ، إنه تشكيل جديد يدخل فيه الجزئي بالكلي ، ويتفاعل معه إيجابيا دون المساس بالهوية الفاعلة الحاضرة بالقدر الذي تتواجد وتتفاعل فيه مع الكلي ، لأنه مضطر للإعتراف بها من خلال ديناميكيتها وقدرتها على الإبداع والمشاركة في الناتج الحضاري ، والعالم اليوم مليء بالمفاجآت والأحداث المتسارعة ، تكثر الاجتهادات والرؤى في قراءة ما يحدث فيه ، وطريقة التعاطي معه من منطلق الحرص الأكيد ، وتوخي الموضوعية والمصالح العليا وهنا تبرز اهمية الوعي العميق لمعرفة دور القوى الفاعلة والمؤثره بشكل مباشر أو غير مباشر في سير الأحداث ، لتلافي الوقوع في الأخطاء القاتلة ، ومن نافلة القول أن لكل بلد ظروفه وحساباته . ولكن الأحداث التي جرت في عالمنا العربي أثبتت بأن العرب ليسو أمة عربية واحدة فقط وإنما أمة منتفضة لتشابه المزاج العام ، والمركب الثقافي الجامع بين أبنائها.
والتغيير هو العملية التي من خلالها يقتحم المستقبل حياة الشعوب ، وصدمة المستقبل هي التغيير السريع في وقت قصير ، ويمس الحاضر كما يمس المستقبل ، لقد ثبت أن التغيير سواء كان سياسيا أم اقتصاديا أو اجتماعيا إذا حل استحقاقه ولم يتم من الداخل فسوف يتم تحقيقه من الخارج رعاية لمصالح الداخل والخارج التي أصبحت وحدة واحدة في زمن العولمة.
إن عيون العالم مفتوحة علينا قبل أن تكون عيوننا مفتوحة على أنفسنا ، والعالم يرانا بوضوح أكثر مما نرى أنفسنا . ولعدم معرفتنا بأنفسنا وعدم استطاعتنا بالتالي تشخيص أمراضنا لنقصان المعرفة لدينا ، وإهمال معالجة أمراضنا إلى أن تصبح أورام خبيثة لا ينفع معها الطب العربي التقليدي ، وتحتاج هذه الأورام إلى أطباء راسخين في العلم لكي يزيلوها.
تلك هي التحديات التي تواجه الأمة العربية وهي في جوهرها صميم الأمن العربي ، والأمن الوطني لأي دولة في العالم لم يعد مقتصرا على حدوده الجغرافية بحكم تطور وسائل الاتصالات الحديثة ، وقدرة أفراد المجتمعات غلى التنقل ، ناهيك عن تشابك المصالح ، وتشكل إقتصاديات عابرة للقارات والحدود ، والقوميات ، وإلا كيف يمكن قبول مقولة أن الأمن الامريكي يمتد إلى كافة بقاع العالم ، والادعاء الأوروبي بأن أمن أوروبا يصل إلى جنوب وشرق المتوسط ، وكيف بالكيان الصهيوني الذي بنى عقيدته الأمنية والعسكرية على مقولة أن كل دولة عربية أو اسلامية هي عدو محتمل لاسرائيل و وهذا مبرر مؤامراتها ، وسعيها الحثيث لضرب القوى العربية و الاسلامية أي كان موقعها الجغرافي وهويتها السياسية.
إن مايجري في شمال الوطن العربي وشرقه وغربه هو خطر حقيقي ليس شعور قومي فقط بل مسألة ترتبط ارتباط وثيق بالأمن الوطني لكل دولة عربية ، من الأجدى معالجة أوضاعه ومشكلاته بلغة الفكر المركب والعقل التداولي ، فمهمة المثقفين ليست هجاء أو مدح ما يجري في العالم بل المطلوب تحليل الواقع وفهمه ، عسى أن يغدو التدخل الطوعي في صيروراته و مساراته ممكنا ، وهذا ماقامت به الثقافات الاخرى من أجل التغيير.
وليس بالخبز وحده يعيش الانسان ، فهو مادة وروح وايمان ولكل مكون منها أهميته ودوره ، ومعناه ، وهذا مايلمسه كل مراقب للأحداث الجارية في منطقتنا العربية ، لأن ما حدث وسيحدث سيعيد تشكيل خرائط سياسية جديدة في منطقة الشرق الاوسط الذي أصبح شرقا أوسطيا جديدا بالفعل.
عضو مجلس المنطقة
اللواء متقاعد
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي