إن الكراهية جزء من الطبيعة البشرية على مر العصور ، حيث ينقل التاريخ أن الأديان والعقائد والأساطير لعبت دوراً مهما في ترسيخ كراهية الشعوب بعضها لبعض ، والكراهية صناعة ناتجة عن سلوك تجاه الآخر أو حقن ضده . وعلى الرغم من وجود بعد تاريخي لأسباب الكراهية بين الشعوب نتيجة الصراعات التي شهدتها البشرية ، فإن التوجس والخيفة من الآخر لازالت مهيمنة على سلوك البشرية.
فهناك شعور بالكراهيه بالرغم من الدعوات والندوات التي عقدت تحت عنوان ((حوار الحضارات )) الهادف إلى التقريب بين الشعوب والأمم ، ومحاربة كل أشكال التطرف العنصرية وكراهية الآخر . والدور الكبير لوسائل الإعلام في نشر ثقافة التسامح ومد جسور التعاون بين الشعوب ، إلا أن ماتتناقله وسائل الإعلام في الدول الغربية لايبشر بخير ، ويترك انطباع بأن الحوارات التي تتم والندوات التي تعقد في أكثر من مكان حول الموضوع لا تتجاوز آذان وعقول المتحاورين ، وأن ما يجري في الواقع هو عكس ذلك ، وهذا يعني أن خطابات التسامح لازالت نخبوية ولم تصل إلى القاعدة الشعبية ، وأوساط الرأي العام ، وأصحاب القرار لتشكل ثقافة جديدة ،تؤسس لعالم خالي من العنف والكراهية . ولعل الجانب المظلم من الاستشراق ساعد على عدم فهمنا من قبل الغرب وهذا الجانب محدود، وضيق الافق متعصب ، وقليل المعرفة ، نتج عنه كثيرا من التيارات في الغرب تستفز مشاعر المسلمين ، وتحاول الحط من معتقداتهم ، وتسفيهها ، والنيل من الرموز الدينية ، مما يثير حفيظة الملايين من المسلمين في أرجاء العالم ، ويدفع بالبعض منهم ال ردود فعل تتسم بالقسوة ، وهذا يدل دلالة واضحة على تجذر ثقافة الكراهية ـ للعرب والمسلمين ـ عموما في ثقافة الغرب لاسيما امريكا لدرجة أنها تكاد تصبح أقنومة ثنائية تتحول مع الزمن إلى حالة تصعيدية بالفعل وردود الفعل.
وفي المقابل يشغل بال المثقفين العرب عقدة نظرية المؤامرة التي تتلخص في أن امريكا والغرب يسعون إلى تدمير هذا الشرق ، وتفكيكه ، والقضاء على شعوبه ، ونهب ثرواته ، مما تولد عنه حالة عداء للآخر وتكفيره ، واعتباره (( دار حرب )) يجب الجهاد ضده ، وضد قيمه الاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، لقد أثبت التاريخ أن أكثر الحروب دموية وخطورة هي الحروب الدينية ، لان سعيرها وآوارها يستمر في النفوس عشرات بل مئات السنين ، ليكون وقودا لحروب أخرى وهنا مكمن الخطورة .اما الحروب التقليديه بين الدول فيمكن تجاوز مخلفاتها واثارها التدميرية بأعادة البناء ثمة امثله كثيرة تدل على ذلك فدول اوروبا التي مزقتهاالحرب العالمية الاولى والثانية تشكل في الوقت الحاضر منظومة واحدة.
لقد نزلت الديانات السماوية لتكون نورا ، وهداية للبشرية جمعاء ، ولتمد جسور المحبة والتسامح بين الشعوب مهما بعدت المسافات . قال تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } وهناك كثير من الأمثلة على ذلك التفاعل بين الاسلام و المسيحية في بلاد العرب.
والخطاب الديني طاقة يمكن لها أن تبعث النور ، أو تتحول إلى نار تحرق ماحولها ، وهذا يتوقف على طريقة استثماره ، وتوظيفه للخير أو الشر.
وهنا تأتي أهمية انسنة الخطاب الديني مهما كان مصدره وبالأخص ماتبثه وسائل الإعلام ، التي أصبحت قادرة على مخاطبة البشر عبر فضاء كوني مفتوح ، لارقابة عليه سوى الضمائر الحية والعقول النيرة ، والمتابع للقنوات الفضائية ،ومواقع الانترنت يلاحظ أن الكثير منها يحاول زرع بذور الكراهية ، والتنافر بين الشعوب.
وهنا تبرز أهمية الحوار بين الثقافات من خلال التركيز على التنوع الذي تمثله جميع الديانات ، لأنه لا حوار أديان حقيقيا وصادقا في القرن الواحد والعشرين ، فالغرب لا يسيره الدين كي نتحاور معه ، والغرب عبارة عن حزمة من أفكار سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية ، وثقافية ، لا علاقة لها بالدين في عالم فصل بين الدين والدنيا .
كما أن غالبية العرب لايسيرهم الدين كذلك وإنما تسيرهم غرائز وقطيعة ثقافية ، ومعرفية ، وسياسية ، وخطاب مصدره الجهل ، والأمية ، والبطالة ، والفساد السياسي والمالي ، والاخفاق العلمي.
هكذا أصبح (( حوار الأديان )) مستحيلا بعد أن أصيب دعاة النرجسية الغربية ب (( رهاب )) حوار الاسلام ، رغم أن الاسلام بدأ عصر الفتوحات مستلهما ثقافات الشعوب التي فتحها ، مقدما ثقافة عالمية لا ترتبط بنزعة قومية ، أو وطنية ، وبالرغم من أن الاسلام بدأ عربيا ، إلا أنه أصبح كونيا ليس بحكم بدايته ، ولكن بحكم تشكله التفاعلي مع حضارات مختلفة كليا.
إن العلاقات بين دول العالم ، وشعوبها تحكمها غالبا المصالح المتبادلة ، وليس من مصلحة طرف استعداء الطرف الآخر . لقد أصبحنا شركاء مع الغرب في إعمار هذا الكون ، نحن بمواردنا الطبيعية التي خففت عن الغرب شقاء الحياة وغلائها بما قدمناه له من تسهيلات في استغلال ثرواتنا الطبيعية ، والاستفاده منها في تقدمه وازدهاره ، والغرب خفف عنا شقاء الدنيا وعسرها بما قدمه لنا من اختراعات ، ووسائل سهلت علينا الحياة ، وجعلتها ميسورة.
هكذا يتضح للعيان ، ولكل ذي بصر وبصيرة أننا والغرب نعيش على كوكب واحد ، من عبث في ركن من اركانه وجب على الجميع التصدي له .
لقد أصبح الحوار الهادف هو التعبير الحقيقي لإبراز قيم الحضارات الانسانية ، كمشترك انساني عابر للديانات ، والثقافات ، والاعراف ، والحدود ، بهدف تعميم قيم المحبة والتسامح ، والسلام بين سكان كوكبنا الجميل .
عضو مجلس المنطقة
اللواء متقاعد
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي
فهناك شعور بالكراهيه بالرغم من الدعوات والندوات التي عقدت تحت عنوان ((حوار الحضارات )) الهادف إلى التقريب بين الشعوب والأمم ، ومحاربة كل أشكال التطرف العنصرية وكراهية الآخر . والدور الكبير لوسائل الإعلام في نشر ثقافة التسامح ومد جسور التعاون بين الشعوب ، إلا أن ماتتناقله وسائل الإعلام في الدول الغربية لايبشر بخير ، ويترك انطباع بأن الحوارات التي تتم والندوات التي تعقد في أكثر من مكان حول الموضوع لا تتجاوز آذان وعقول المتحاورين ، وأن ما يجري في الواقع هو عكس ذلك ، وهذا يعني أن خطابات التسامح لازالت نخبوية ولم تصل إلى القاعدة الشعبية ، وأوساط الرأي العام ، وأصحاب القرار لتشكل ثقافة جديدة ،تؤسس لعالم خالي من العنف والكراهية . ولعل الجانب المظلم من الاستشراق ساعد على عدم فهمنا من قبل الغرب وهذا الجانب محدود، وضيق الافق متعصب ، وقليل المعرفة ، نتج عنه كثيرا من التيارات في الغرب تستفز مشاعر المسلمين ، وتحاول الحط من معتقداتهم ، وتسفيهها ، والنيل من الرموز الدينية ، مما يثير حفيظة الملايين من المسلمين في أرجاء العالم ، ويدفع بالبعض منهم ال ردود فعل تتسم بالقسوة ، وهذا يدل دلالة واضحة على تجذر ثقافة الكراهية ـ للعرب والمسلمين ـ عموما في ثقافة الغرب لاسيما امريكا لدرجة أنها تكاد تصبح أقنومة ثنائية تتحول مع الزمن إلى حالة تصعيدية بالفعل وردود الفعل.
وفي المقابل يشغل بال المثقفين العرب عقدة نظرية المؤامرة التي تتلخص في أن امريكا والغرب يسعون إلى تدمير هذا الشرق ، وتفكيكه ، والقضاء على شعوبه ، ونهب ثرواته ، مما تولد عنه حالة عداء للآخر وتكفيره ، واعتباره (( دار حرب )) يجب الجهاد ضده ، وضد قيمه الاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، لقد أثبت التاريخ أن أكثر الحروب دموية وخطورة هي الحروب الدينية ، لان سعيرها وآوارها يستمر في النفوس عشرات بل مئات السنين ، ليكون وقودا لحروب أخرى وهنا مكمن الخطورة .اما الحروب التقليديه بين الدول فيمكن تجاوز مخلفاتها واثارها التدميرية بأعادة البناء ثمة امثله كثيرة تدل على ذلك فدول اوروبا التي مزقتهاالحرب العالمية الاولى والثانية تشكل في الوقت الحاضر منظومة واحدة.
لقد نزلت الديانات السماوية لتكون نورا ، وهداية للبشرية جمعاء ، ولتمد جسور المحبة والتسامح بين الشعوب مهما بعدت المسافات . قال تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } وهناك كثير من الأمثلة على ذلك التفاعل بين الاسلام و المسيحية في بلاد العرب.
والخطاب الديني طاقة يمكن لها أن تبعث النور ، أو تتحول إلى نار تحرق ماحولها ، وهذا يتوقف على طريقة استثماره ، وتوظيفه للخير أو الشر.
وهنا تأتي أهمية انسنة الخطاب الديني مهما كان مصدره وبالأخص ماتبثه وسائل الإعلام ، التي أصبحت قادرة على مخاطبة البشر عبر فضاء كوني مفتوح ، لارقابة عليه سوى الضمائر الحية والعقول النيرة ، والمتابع للقنوات الفضائية ،ومواقع الانترنت يلاحظ أن الكثير منها يحاول زرع بذور الكراهية ، والتنافر بين الشعوب.
وهنا تبرز أهمية الحوار بين الثقافات من خلال التركيز على التنوع الذي تمثله جميع الديانات ، لأنه لا حوار أديان حقيقيا وصادقا في القرن الواحد والعشرين ، فالغرب لا يسيره الدين كي نتحاور معه ، والغرب عبارة عن حزمة من أفكار سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية ، وثقافية ، لا علاقة لها بالدين في عالم فصل بين الدين والدنيا .
كما أن غالبية العرب لايسيرهم الدين كذلك وإنما تسيرهم غرائز وقطيعة ثقافية ، ومعرفية ، وسياسية ، وخطاب مصدره الجهل ، والأمية ، والبطالة ، والفساد السياسي والمالي ، والاخفاق العلمي.
هكذا أصبح (( حوار الأديان )) مستحيلا بعد أن أصيب دعاة النرجسية الغربية ب (( رهاب )) حوار الاسلام ، رغم أن الاسلام بدأ عصر الفتوحات مستلهما ثقافات الشعوب التي فتحها ، مقدما ثقافة عالمية لا ترتبط بنزعة قومية ، أو وطنية ، وبالرغم من أن الاسلام بدأ عربيا ، إلا أنه أصبح كونيا ليس بحكم بدايته ، ولكن بحكم تشكله التفاعلي مع حضارات مختلفة كليا.
إن العلاقات بين دول العالم ، وشعوبها تحكمها غالبا المصالح المتبادلة ، وليس من مصلحة طرف استعداء الطرف الآخر . لقد أصبحنا شركاء مع الغرب في إعمار هذا الكون ، نحن بمواردنا الطبيعية التي خففت عن الغرب شقاء الحياة وغلائها بما قدمناه له من تسهيلات في استغلال ثرواتنا الطبيعية ، والاستفاده منها في تقدمه وازدهاره ، والغرب خفف عنا شقاء الدنيا وعسرها بما قدمه لنا من اختراعات ، ووسائل سهلت علينا الحياة ، وجعلتها ميسورة.
هكذا يتضح للعيان ، ولكل ذي بصر وبصيرة أننا والغرب نعيش على كوكب واحد ، من عبث في ركن من اركانه وجب على الجميع التصدي له .
لقد أصبح الحوار الهادف هو التعبير الحقيقي لإبراز قيم الحضارات الانسانية ، كمشترك انساني عابر للديانات ، والثقافات ، والاعراف ، والحدود ، بهدف تعميم قيم المحبة والتسامح ، والسلام بين سكان كوكبنا الجميل .
عضو مجلس المنطقة
اللواء متقاعد
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي