في أول أيام الدكتوراه كنت على موعد مع المشرف الدراسي على بحثي والذي كنت أتواصل معه عبر البريد الإلكتروني فقط . كان موعدي عند الساعة التاسعة صباحا وكنت قبلها بعدة أيام أستجمع قواي اللغوية حيث جهزت أفضل كلمات التبجيل والتطبيل لألقيها عليه في أول لقاء حتى أنال إعجابه . وصلت قبل الموعد بعشر دقائق و أبلغت موظفة الإستقبال أني على موعد مع المشرف وطلبت مني الإنتظار قليلا . بعد لحظات وفي الوقت المحدد أتى ذلك الرجل الكبير في السن بهيئته المرتبة ومد يده لمصافحتي قائلا أهلا علي فرددت عليه أهلا بروفيسور قاري . وقبل أن أكمل تعريفي بنفسي قال اسمي قاري فقط وكأنه يقول لاداعي لكلمة بروفيسور. كان هذا هو أول درس علمني إياه ذلك الشيخ الكبير وبهذه الكلمة كسر جميع الحواجز التي أردت أن أبنيها بنفسي بينه وبيني . و أدركت فيما بعد أن البريطانيين لايستخدمون المسمى الوظيفي إلا في الخطابات الرسمية أو البريد الإلكتروني للتعريف بالنفس فقط . عملت بعدها في نفس مركز الأبحاث وكان حولي الكثير من الطلاب والموظفين اكتشفت بعد عدة أشهر أن الكثير من الموظفين الذين أعمل معهم هم من حملة شهادات الدكتوراه ولم يستخدم أحد يوما كلمة دكتور بل كانوا يستخدمون الأسماء الأولى فقط.
تذكرت على الفور كم من عضو هيئة تدريس في جامعاتنا أوقف محاضرته لأن الطالب ناداه بكلمة أستاذ بدلا من دكتور . بل إن البعض أصبح يعرف بنفسه خارج مقر العمل بطريقة مقززة فيها من (الهياط) ما لو وزع على كل العاطلين لوظفهم وهو لايعلم أنه بهذه الطريقة يقول لهم أنني لاشئ بدون هذا اللقب . بل وصل الحال بالبعض أنه يقدم الألقاب على الأسماء في كروت الدعوة والرسائل النصية بل حتى في رسائل الواس أب فيقال سعادة المهندس أو النقيب أو الكابتن فلان وعائلته الكريمة .
و بما أن هناك قاعدة كونية تنص على أن الشئ إذا زاد عن حده انقلب ضده أصبحت هذه الظاهرة وبالا على من يمارسها حيث فرضت عليه قيود التكلف ونظرة المجتمع التبجيلة له فعندما يخطئ تكون العقوبة والأحكام الإجتماعية أشد قسوة لأنهم أصبحوا يتعاملون معه كنموذج مثالي ولا يتعاملون معه على أنه بشر يصيب ويخطئ . و أصبح من يمارسها يتكلف بما لا يطيقه حتى في طريقة كلامه ومقتنياته بل حتى في اختياره لرقم هاتفه وسيارته وسكنه .
وأخيرا ...إن أردتم أن تعيشوا بعفوية وتتخلصوا من هذا الحمل فاكسروا قيود الألقاب وستتهاوى كثير من الحواجز بينكم و ستشعرون بأن حياتكم أكثر بساطة وحرية من ذي قبل .
علي الغامدي
تذكرت على الفور كم من عضو هيئة تدريس في جامعاتنا أوقف محاضرته لأن الطالب ناداه بكلمة أستاذ بدلا من دكتور . بل إن البعض أصبح يعرف بنفسه خارج مقر العمل بطريقة مقززة فيها من (الهياط) ما لو وزع على كل العاطلين لوظفهم وهو لايعلم أنه بهذه الطريقة يقول لهم أنني لاشئ بدون هذا اللقب . بل وصل الحال بالبعض أنه يقدم الألقاب على الأسماء في كروت الدعوة والرسائل النصية بل حتى في رسائل الواس أب فيقال سعادة المهندس أو النقيب أو الكابتن فلان وعائلته الكريمة .
و بما أن هناك قاعدة كونية تنص على أن الشئ إذا زاد عن حده انقلب ضده أصبحت هذه الظاهرة وبالا على من يمارسها حيث فرضت عليه قيود التكلف ونظرة المجتمع التبجيلة له فعندما يخطئ تكون العقوبة والأحكام الإجتماعية أشد قسوة لأنهم أصبحوا يتعاملون معه كنموذج مثالي ولا يتعاملون معه على أنه بشر يصيب ويخطئ . و أصبح من يمارسها يتكلف بما لا يطيقه حتى في طريقة كلامه ومقتنياته بل حتى في اختياره لرقم هاتفه وسيارته وسكنه .
وأخيرا ...إن أردتم أن تعيشوا بعفوية وتتخلصوا من هذا الحمل فاكسروا قيود الألقاب وستتهاوى كثير من الحواجز بينكم و ستشعرون بأن حياتكم أكثر بساطة وحرية من ذي قبل .
علي الغامدي