عندما أقول إننا شعب مهووس بالفضيلة، وشعب يخشى الأشياء ويتعامل معها بريبة مطلقة، وشك مخيف، فأنا لا أقول ذلك إلا لأنني أعتقد بأن التحليل الواضح لما يدور في أوساطنا سيقودنا لهذه القناعة في نهاية كل أمر من الأمور.
فعندما تقرأ لكاتب ما مقالا يصف فيه تسعين بالمائة من موظفي المستشفيات من الممرضات، والطبيبات، والأطباء بأنهم خارج سياق الحشمة والدين، وأنهم يهتكون أعراض الناس، فهذا يوصلك حتما للقناعة السابقة بأننا شعب مهووس بالفضيلة، حتى أن الفضيلة أصبحت عائقا أمام وعينا، وأصبحت حجر عثرة في التعاطي مع الحياة بطريقة حضارية، وبطريقة أكثر رقيا وإنسانية.
إن ما ينتج مثل هذا الوعي المتقدم جدا من الشك والريبة، والهوس بالفضيلة هو الوصاية التي تربينا عليها مثل أكثر من ثلاثة عقود، والمصيبة الكبرى أن كثيرا ممن يمتهنون هذه الوصاية مازالوا يتعاملون مع المجتمع وكأنه ذلك المجتمع الذي عشنا فيه قبل ثلاثة عقود، فالشرف، والحشمة، والفضيلة هي أشياء في داخل الإنسان، لا يمكن أن يحاكمه الآخرون عليها أبدا، إلا إذا كانت الممارسات التي تمارس في أرض الواقع تخدش الذوق العام للمجتمع، ولا أعتقد بأن ممرضة أو طبيبة، أو طبيب، أو موظفة في مستشفى من المستشفيات تمارس أشياء تخدش الذوق العام في مجتمعنا، لكن ربما تمارس أشياء هي في ثقافة، وتربية بعض الناس شيئا مستهجنا، لكن لا يعني هذا بأن ما يُمارس هو مستهجن حقا، فالمسألة مسألة نسبية، فما يراه "فلانا" شيئا غير جيد، ليس بالضرورة أن يراه "علانا" شيئا غير جيد أيضا.
فعندما يقرأ شخص مثلي مقالا حول المستشفيات في تبوك ويتبادر إلى ذهنه لأول وهلة أنه لا تعيش في تبوك، وبأنه لم يعش فيها أبدا، فهنالك خلل بالضرورة، فهل ما يكتبه الكاتب في ذلك المقال فعلا أشياء تحصل في مستشفيات تبوك؟ فقد شعرت بأن مستشفياتنا الحكومية والمستوصفات الأهلية تشبه النوادي الليلة، وأوكار الدعارة، فهل رأى صاحب ذلك المقال شيئا لم يره شخص مثلي عاش وما زال يعيش في تبوك؟ وهل يوجد في المستشفيات الحكومية، والمستوصفات الأهلية في تبوك دهاليز مظلمة لا نعرفها؟، فمن يقرأ مقالا كذاك يشعر لأول وهلة بأنه أمام كارثة أخلاقية غير عادية، فهل ما نسبته أكثر من تسعين في المائة من موظفات وممرضات، وطبيبات، وأطباء مستشفياتنا الحكومية، والمستوصفات الأهلية يعانون من أزمة أخلاقية، ويمارسون عملهم بعيدا عن الاحتشام، ويهتكون أعراض الناس؟ وأنا لا أعرف على أي أساس يمكن أن يُبنى ذلك المقال بهذه النسبة المخيفة، والمرعبة التي تعادل أكثر من 90%؟، فأنا رجل أحب الأرقام كثيرا، وأود أن ينشر صاحب ذلك المقال تلك الدراسة التي من خلالها كتب نسبته المرعبة في عدم الاحتشام، وهتك الأعراض، والبعد عن النظام بما يوازي أكثر من 90%، لأن ما يكتب في مقال كهذا هو عبارة عن قذف في أعراض الناس، وفي أخلاقهم، وفي حشمتهم، بأرقام معينة، وهذه الأرقام لابد أن تكون وليدة دراسات وأبحاث، فلو أفترضنا جدلا بأن رجلا تعمل له قريبة، أو قريب (سواء أختك، أو أم، أو زوجة، أو زوج، أو أخ) في أحد تلك المستشفيات، أو المستوصفات التي ذكرها، وقرأ هذا المقال، فماذا يمكن أن يقول؟. فهل الدين الإسلامي يحرّضنا على أن نشوّه أخلاق الناس، ونشوّه حشمتهم، وعفتهم؟ لا أعتقد فالدين الإسلامي هو الدين السمح الذي أمرنا بأن نستر أخطاء الآخرين، وهو الدين الذي يطلب منا إحسان الظن بالناس دائما، ولا يدعونا أن نأتي بكل برود ونكتب مقالا في صحيفة ما بأن هنالك ما نسبته أكثر من 90% من موظفات وموظفي المستشفيات الحكومية، والمستشفيات الأهلية يعانون من أزمة أخلاق، وفتنة، وحشمة، وهتك لأعراض الناس، وبُعدا عن النظام.
فإذا أردنا أن نتحدث عن النظام حقيقة، فلما يعلّق كثير من أصحاب هذا التفكير على المسائل الأخلاقية، ولا يتحدثون عن المباني ورداءتها، ولا يتحدثون عن الفساد الإداري والمالي. لماذا نؤطر تفكيرنا دائما حينما نذهب لمستشفى ما في رؤية الممرضة وهي تسحب الدم من المريض، وفي رؤية الطبيب وهو يعالج مريضة، ولا ننظر إلى رداءة المباني، والفساد الإداري، وشح الإمكانيات الطبية. فلو ذهب أحد من هذا المجتمع السعودي إلى دولة مثل الأردن يريد علاجا لأخته أو لزوجته، أو لابنته، فأعتقد بأن مسألة وجود طبيب يعالج المريضة مسألة لن تكون ذات أهمية عميقة مثل أن يجد الدواء المناسب، فلماذا نحن مهووسون بالفضيلة في مجتمعنا، ولا نعيش ذات الهوس إذا خرجنا خارج هذا البلد؟.
ربما أفهم جيدا بأن لكل إنسان منا حرية أن يقول كل ما يريده، وأن يكتب كل ما يمليه عليه ضميره، وأخلاقه، ووعيه، لكنني لا يمكن أن أفهم أن نتّهم الآخرين في أخلاقهم، لمجرد الوصاية، ولأننا شعب مهووس بالفضيلة، فكثير من الذين ينتقدون الممرضات، والطبيبات، حين يذهبون إلى المستشفيات بمحارمهم يطلبون ألا يكشف عليهن سوى النساء فقط، وهن أولئك الممرضات والطبيبات اللاتي لا يتورعون في اتهامهن في أخلاقهن، وحشمتهن.
وهنا دعونا نسأل: إذا لم يجد ذلك الشخص طبيبة لعلاج زوجته فلماذا لا يذهب لأي مستشفى آخر للبحث عن طبيبة تعالج زوجته؟ فلماذا يصر على هذا المستشفى أو ذاك؟ ويبدأ في انتقاد الدولة لأنها لم توفر له طبيبة، ومن ثمّ يعرج على أخلاق ودين وحشمة الممرضات والطبيبات، والأطباء ويصفهم بانتهاك الأعراض، فمن صنع مثل هذا الوعي المزدوج والمخيف؟ وكيف يمكن أن يعيش المرء بوجهين؟.
إن هذا السؤال العملاق هو أزمتنا الحقيقية تجاه الأخلاق، فنحن مجتمع يعيش في المجمل بوجهين، وجه نعيش به أمام الناس، ووجه نعيش به أمام أنفسنا، لكن المرعب حقا في هذا الأمر أن يملي علينا وجهنا الذي نعيش به أمام الناس أن نتّهم الآخرين في أخلاقهم لمجرد أن نكون فضلاء، وأن يقال عنا بأننا نحب الدين، والخير والإسلام.
إن الفضيلة التي تعيش في داخل الإنسان لا تفرض عليه أن يشوّه صورة الآخر - أيا كان هذا الآخر، فكيف لو كان هذا الآخر ممن يشاركونه دينه، ووطنه، وثقافته؟. إن الفضيلة تحتّم عليك أن تكتب ما تمليه عليك فضيلتك بدون أن تحدد أناسا بعينهم، وتبدأ في كتابة أرقام مرعبة ومخيفة لا تمليها الفضيلة أساسا. إن الفضيلة لا تعطيك الحق في أن تشكك في أخلاق نساء الآخرين، وفي أخلاق أطباء درسوا لكي يطببوا المرضى، وتصف أفعالهم بأنها انتهاك للأعراض.
إن الفضيلة أن تكون مؤدبا حينما تكتب مقالا في صحيفة ما، وتكون أكثر رقيا في طرحك حينما تتعلق المسألة بحشمة، ودين، وشرف الآخرين.
علوان السهيمي
Alwan_mohd@hotmail.com
http://twitter.com/#!/alwansu
فعندما تقرأ لكاتب ما مقالا يصف فيه تسعين بالمائة من موظفي المستشفيات من الممرضات، والطبيبات، والأطباء بأنهم خارج سياق الحشمة والدين، وأنهم يهتكون أعراض الناس، فهذا يوصلك حتما للقناعة السابقة بأننا شعب مهووس بالفضيلة، حتى أن الفضيلة أصبحت عائقا أمام وعينا، وأصبحت حجر عثرة في التعاطي مع الحياة بطريقة حضارية، وبطريقة أكثر رقيا وإنسانية.
إن ما ينتج مثل هذا الوعي المتقدم جدا من الشك والريبة، والهوس بالفضيلة هو الوصاية التي تربينا عليها مثل أكثر من ثلاثة عقود، والمصيبة الكبرى أن كثيرا ممن يمتهنون هذه الوصاية مازالوا يتعاملون مع المجتمع وكأنه ذلك المجتمع الذي عشنا فيه قبل ثلاثة عقود، فالشرف، والحشمة، والفضيلة هي أشياء في داخل الإنسان، لا يمكن أن يحاكمه الآخرون عليها أبدا، إلا إذا كانت الممارسات التي تمارس في أرض الواقع تخدش الذوق العام للمجتمع، ولا أعتقد بأن ممرضة أو طبيبة، أو طبيب، أو موظفة في مستشفى من المستشفيات تمارس أشياء تخدش الذوق العام في مجتمعنا، لكن ربما تمارس أشياء هي في ثقافة، وتربية بعض الناس شيئا مستهجنا، لكن لا يعني هذا بأن ما يُمارس هو مستهجن حقا، فالمسألة مسألة نسبية، فما يراه "فلانا" شيئا غير جيد، ليس بالضرورة أن يراه "علانا" شيئا غير جيد أيضا.
فعندما يقرأ شخص مثلي مقالا حول المستشفيات في تبوك ويتبادر إلى ذهنه لأول وهلة أنه لا تعيش في تبوك، وبأنه لم يعش فيها أبدا، فهنالك خلل بالضرورة، فهل ما يكتبه الكاتب في ذلك المقال فعلا أشياء تحصل في مستشفيات تبوك؟ فقد شعرت بأن مستشفياتنا الحكومية والمستوصفات الأهلية تشبه النوادي الليلة، وأوكار الدعارة، فهل رأى صاحب ذلك المقال شيئا لم يره شخص مثلي عاش وما زال يعيش في تبوك؟ وهل يوجد في المستشفيات الحكومية، والمستوصفات الأهلية في تبوك دهاليز مظلمة لا نعرفها؟، فمن يقرأ مقالا كذاك يشعر لأول وهلة بأنه أمام كارثة أخلاقية غير عادية، فهل ما نسبته أكثر من تسعين في المائة من موظفات وممرضات، وطبيبات، وأطباء مستشفياتنا الحكومية، والمستوصفات الأهلية يعانون من أزمة أخلاقية، ويمارسون عملهم بعيدا عن الاحتشام، ويهتكون أعراض الناس؟ وأنا لا أعرف على أي أساس يمكن أن يُبنى ذلك المقال بهذه النسبة المخيفة، والمرعبة التي تعادل أكثر من 90%؟، فأنا رجل أحب الأرقام كثيرا، وأود أن ينشر صاحب ذلك المقال تلك الدراسة التي من خلالها كتب نسبته المرعبة في عدم الاحتشام، وهتك الأعراض، والبعد عن النظام بما يوازي أكثر من 90%، لأن ما يكتب في مقال كهذا هو عبارة عن قذف في أعراض الناس، وفي أخلاقهم، وفي حشمتهم، بأرقام معينة، وهذه الأرقام لابد أن تكون وليدة دراسات وأبحاث، فلو أفترضنا جدلا بأن رجلا تعمل له قريبة، أو قريب (سواء أختك، أو أم، أو زوجة، أو زوج، أو أخ) في أحد تلك المستشفيات، أو المستوصفات التي ذكرها، وقرأ هذا المقال، فماذا يمكن أن يقول؟. فهل الدين الإسلامي يحرّضنا على أن نشوّه أخلاق الناس، ونشوّه حشمتهم، وعفتهم؟ لا أعتقد فالدين الإسلامي هو الدين السمح الذي أمرنا بأن نستر أخطاء الآخرين، وهو الدين الذي يطلب منا إحسان الظن بالناس دائما، ولا يدعونا أن نأتي بكل برود ونكتب مقالا في صحيفة ما بأن هنالك ما نسبته أكثر من 90% من موظفات وموظفي المستشفيات الحكومية، والمستشفيات الأهلية يعانون من أزمة أخلاق، وفتنة، وحشمة، وهتك لأعراض الناس، وبُعدا عن النظام.
فإذا أردنا أن نتحدث عن النظام حقيقة، فلما يعلّق كثير من أصحاب هذا التفكير على المسائل الأخلاقية، ولا يتحدثون عن المباني ورداءتها، ولا يتحدثون عن الفساد الإداري والمالي. لماذا نؤطر تفكيرنا دائما حينما نذهب لمستشفى ما في رؤية الممرضة وهي تسحب الدم من المريض، وفي رؤية الطبيب وهو يعالج مريضة، ولا ننظر إلى رداءة المباني، والفساد الإداري، وشح الإمكانيات الطبية. فلو ذهب أحد من هذا المجتمع السعودي إلى دولة مثل الأردن يريد علاجا لأخته أو لزوجته، أو لابنته، فأعتقد بأن مسألة وجود طبيب يعالج المريضة مسألة لن تكون ذات أهمية عميقة مثل أن يجد الدواء المناسب، فلماذا نحن مهووسون بالفضيلة في مجتمعنا، ولا نعيش ذات الهوس إذا خرجنا خارج هذا البلد؟.
ربما أفهم جيدا بأن لكل إنسان منا حرية أن يقول كل ما يريده، وأن يكتب كل ما يمليه عليه ضميره، وأخلاقه، ووعيه، لكنني لا يمكن أن أفهم أن نتّهم الآخرين في أخلاقهم، لمجرد الوصاية، ولأننا شعب مهووس بالفضيلة، فكثير من الذين ينتقدون الممرضات، والطبيبات، حين يذهبون إلى المستشفيات بمحارمهم يطلبون ألا يكشف عليهن سوى النساء فقط، وهن أولئك الممرضات والطبيبات اللاتي لا يتورعون في اتهامهن في أخلاقهن، وحشمتهن.
وهنا دعونا نسأل: إذا لم يجد ذلك الشخص طبيبة لعلاج زوجته فلماذا لا يذهب لأي مستشفى آخر للبحث عن طبيبة تعالج زوجته؟ فلماذا يصر على هذا المستشفى أو ذاك؟ ويبدأ في انتقاد الدولة لأنها لم توفر له طبيبة، ومن ثمّ يعرج على أخلاق ودين وحشمة الممرضات والطبيبات، والأطباء ويصفهم بانتهاك الأعراض، فمن صنع مثل هذا الوعي المزدوج والمخيف؟ وكيف يمكن أن يعيش المرء بوجهين؟.
إن هذا السؤال العملاق هو أزمتنا الحقيقية تجاه الأخلاق، فنحن مجتمع يعيش في المجمل بوجهين، وجه نعيش به أمام الناس، ووجه نعيش به أمام أنفسنا، لكن المرعب حقا في هذا الأمر أن يملي علينا وجهنا الذي نعيش به أمام الناس أن نتّهم الآخرين في أخلاقهم لمجرد أن نكون فضلاء، وأن يقال عنا بأننا نحب الدين، والخير والإسلام.
إن الفضيلة التي تعيش في داخل الإنسان لا تفرض عليه أن يشوّه صورة الآخر - أيا كان هذا الآخر، فكيف لو كان هذا الآخر ممن يشاركونه دينه، ووطنه، وثقافته؟. إن الفضيلة تحتّم عليك أن تكتب ما تمليه عليك فضيلتك بدون أن تحدد أناسا بعينهم، وتبدأ في كتابة أرقام مرعبة ومخيفة لا تمليها الفضيلة أساسا. إن الفضيلة لا تعطيك الحق في أن تشكك في أخلاق نساء الآخرين، وفي أخلاق أطباء درسوا لكي يطببوا المرضى، وتصف أفعالهم بأنها انتهاك للأعراض.
إن الفضيلة أن تكون مؤدبا حينما تكتب مقالا في صحيفة ما، وتكون أكثر رقيا في طرحك حينما تتعلق المسألة بحشمة، ودين، وشرف الآخرين.
علوان السهيمي
Alwan_mohd@hotmail.com
http://twitter.com/#!/alwansu