بسم الله الرحمن الرحيم
مستنقعات من البؤس !!
إنَّ لغزاً كبيراً يواجهنا ولم نستطيع بَعْدُ فهمه, فبينما يتم إنتاج ثروات أكبر مما كان يُنتج من قبل في التاريخ, وتوجد اختراعات تزيد من إنتاج أشياء متنوعة, شاملة أغذية أساسية حرمت منها أجيال من البشرية, كما استطاع البشر اقتحام الفضاء الخارجي واكتشفوا أعماق المحيطات واستطاعوا استخدام الماكينات للقيام بالأعباء الضخمة, وكذا إرسال المعلومات من جانب من العالم إلى الجانب الآخر في جزء من الثانية.
ومع ذلك, وبدلاً من ضمان تخفيف أعباء البشرية, تصبح هذه الأعباء أشد حدة, وبدلاً من أن يتطلع الناس إلى حياة أكثر رغداً وراحة, غالباً ما يعيشون في خوف من أن تزداد الأمور سوءاً, وبدلا من أن يختفي البؤس نجده يتزايد.
إن قليلاً من الذين يؤيدون النظام العالمي القائم كانوا يتوقعون أن تتحسن الأمور وتتحسن أحوال الفقراء بالتوظيف الكامل, والإنفاق أكثر على الرعاية الاجتماعية وإعادة توزيع الدخل من الأغنياء إلى الفقراء, ولكنهم اليوم يقولون إن هذه الأفكار أصبحت موضة قديمة.
وبالطبع, فإن الفقر والمرض والجوع والألم واليأس والإحباط لا تُعد أشياء جديدة على المجتمع البشري, بل وجدت على مدى معظم تاريخه المسجل, ولكن البؤس في عالمنا اليوم يختلف, لأنه يوجد جنباً إلى جنب مع ثروة يكفي مقدارها بسهولة للقضاء على الفقراء إلى الأبد.
وللأسف فإن الجوع يتواجد جنباً إلى جنب مع مخزون هائل من الأغذية, والدليل على ذلك جبال الأغذية.
قبل خمسين عاماً كان الخمس الأغنى 20% من سكان العالم يمتلك 30% من الدخل, واليوم يمتلكون 60% من هذا الدخل, في نفس الوقت, فإن الخمس الأفقر20% من البشر يقتسمون 4% فقط من إجمالي الناتج العالمي.
لقد حذر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية بأن السبب الرئيس في زيادة الصراعات الداخلية في العالم هو التهديد المستمر للجوع والعنف والأمراض. ويلاحظ أن الدول, صغيرة وكبيرة, تفضل إنفاق المليارات على الأسلحة الحديثة على الاهتمام بالحاجات الضرورية للشعوب.
إذ وسط هذا البؤس وتلك القذرات, انتعشت مئات الشرور, فقد عادت للظهور أمراض قاتلة وانتشر إدمان المخدرات, حيث يعتبر بعض الناس ذلك هو الطريق الوحيد للهروب, ولو مؤقتاً, من معاناتهم, وارتفعت معدلات الانتحار وتزايدت الجريمة حيث إن أقلية من الفقراء يرون فيها الطريق الوحيد للحصول على الثروة التي تتيح تقليد الحياة الفاخرة للأغنياء التي تتباهى بها أمامهم وكالات الإعلام. وفق كل ذلك جاء التأثير الفظيع للحرب.
لقد قيل إذا كانت هناك مستنقعات من البؤس في البلاد المتقدمة صناعياً, فهناك بحار هائلة منه في الكثير من بقية العالم.
دائماً ما يقال إن الرأسمالية هي النظام الاقتصادي الوحيد الناجح, بَيْدَ أن ما يبدو جلياً لمعظم سكان العالم اليوم هو أنها لا تعمل من أجل تلبية احتياجاتهم. لذا تخبرنا تقارير منظمة الصحة العالمية أن أكثر الأمراض ضراوة وأكثرها فتكاً في عالمنا اليوم ليس تجلّط الشريان التاجي أو السرطان, ولكنه الفقر المدقع, الذي يعاني منه أكثر من ألف مليون شخص, وهذا البؤس هو أحد الخصائص المميزة للحياة حتى في البلاد المتقدمة صناعياً.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com
مستنقعات من البؤس !!
إنَّ لغزاً كبيراً يواجهنا ولم نستطيع بَعْدُ فهمه, فبينما يتم إنتاج ثروات أكبر مما كان يُنتج من قبل في التاريخ, وتوجد اختراعات تزيد من إنتاج أشياء متنوعة, شاملة أغذية أساسية حرمت منها أجيال من البشرية, كما استطاع البشر اقتحام الفضاء الخارجي واكتشفوا أعماق المحيطات واستطاعوا استخدام الماكينات للقيام بالأعباء الضخمة, وكذا إرسال المعلومات من جانب من العالم إلى الجانب الآخر في جزء من الثانية.
ومع ذلك, وبدلاً من ضمان تخفيف أعباء البشرية, تصبح هذه الأعباء أشد حدة, وبدلاً من أن يتطلع الناس إلى حياة أكثر رغداً وراحة, غالباً ما يعيشون في خوف من أن تزداد الأمور سوءاً, وبدلا من أن يختفي البؤس نجده يتزايد.
إن قليلاً من الذين يؤيدون النظام العالمي القائم كانوا يتوقعون أن تتحسن الأمور وتتحسن أحوال الفقراء بالتوظيف الكامل, والإنفاق أكثر على الرعاية الاجتماعية وإعادة توزيع الدخل من الأغنياء إلى الفقراء, ولكنهم اليوم يقولون إن هذه الأفكار أصبحت موضة قديمة.
وبالطبع, فإن الفقر والمرض والجوع والألم واليأس والإحباط لا تُعد أشياء جديدة على المجتمع البشري, بل وجدت على مدى معظم تاريخه المسجل, ولكن البؤس في عالمنا اليوم يختلف, لأنه يوجد جنباً إلى جنب مع ثروة يكفي مقدارها بسهولة للقضاء على الفقراء إلى الأبد.
وللأسف فإن الجوع يتواجد جنباً إلى جنب مع مخزون هائل من الأغذية, والدليل على ذلك جبال الأغذية.
قبل خمسين عاماً كان الخمس الأغنى 20% من سكان العالم يمتلك 30% من الدخل, واليوم يمتلكون 60% من هذا الدخل, في نفس الوقت, فإن الخمس الأفقر20% من البشر يقتسمون 4% فقط من إجمالي الناتج العالمي.
لقد حذر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية بأن السبب الرئيس في زيادة الصراعات الداخلية في العالم هو التهديد المستمر للجوع والعنف والأمراض. ويلاحظ أن الدول, صغيرة وكبيرة, تفضل إنفاق المليارات على الأسلحة الحديثة على الاهتمام بالحاجات الضرورية للشعوب.
إذ وسط هذا البؤس وتلك القذرات, انتعشت مئات الشرور, فقد عادت للظهور أمراض قاتلة وانتشر إدمان المخدرات, حيث يعتبر بعض الناس ذلك هو الطريق الوحيد للهروب, ولو مؤقتاً, من معاناتهم, وارتفعت معدلات الانتحار وتزايدت الجريمة حيث إن أقلية من الفقراء يرون فيها الطريق الوحيد للحصول على الثروة التي تتيح تقليد الحياة الفاخرة للأغنياء التي تتباهى بها أمامهم وكالات الإعلام. وفق كل ذلك جاء التأثير الفظيع للحرب.
لقد قيل إذا كانت هناك مستنقعات من البؤس في البلاد المتقدمة صناعياً, فهناك بحار هائلة منه في الكثير من بقية العالم.
دائماً ما يقال إن الرأسمالية هي النظام الاقتصادي الوحيد الناجح, بَيْدَ أن ما يبدو جلياً لمعظم سكان العالم اليوم هو أنها لا تعمل من أجل تلبية احتياجاتهم. لذا تخبرنا تقارير منظمة الصحة العالمية أن أكثر الأمراض ضراوة وأكثرها فتكاً في عالمنا اليوم ليس تجلّط الشريان التاجي أو السرطان, ولكنه الفقر المدقع, الذي يعاني منه أكثر من ألف مليون شخص, وهذا البؤس هو أحد الخصائص المميزة للحياة حتى في البلاد المتقدمة صناعياً.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com