نشأ المجتمع المعاصر نتيجة تصميمات واعية, وكان من الضروري أن تصمم الفرص التعليمية في هذا الإطار, ولكن اعتمادنا الآن على التعليم المتخصص يستغرق الوقت كله من خلال المدرسة, ويحتم هذا الوضع أن توجد وسائل أخرى كثيرة للتعليم والتدريس, ويجب من ثم أن تزيد الخصائص التعليمية لكل المؤسسات, ويستدعى هذا التصور احتمالين:
أولاً: يمكن أن يعني ذلك أن الرجال في المدينة الحديثة سيظلون بصورة متزايدة ضحايا عملية تعليمية فعالة ومستقلة استقلالاً تاماً بمجرد أن يحرموا من التظاهر الضئيل بالاستقلالية النقدية والتي تمنحها المدارس الحرة في الوقت الحاضر على الأقل لعدد محدود من تلاميذها,
ثانياُ: يمكن أن يعني ذلك أن الرجال لا يستطيعون التستر وراء شهاداتهم التي حصلوا عليها في المدارس ويمتلكون الشجاعة التي تمكنهم من التحكم في توجيه المؤسسات التي يشتركون فيها. ويجب علينا ـــ حتى يتأكد الافتراض الثاني ـــ أن نتعلم كيف نقدر القيمة الاجتماعية للعمل والفراغ بأسلوب الأخذ والعطاء التعليمي, ذلك أن التأثير في سياسة الشارع ومكان العمل والمكتبة وبرنامج الأخبار يشكل أفضل الوسائل لقياس فعالية هذه الأشياء كمؤسسات تعليمية.
لذا ، تصنف المدارس الناس بحسب أعمارهم, ويعتمد هذا التصنيف على ثلاثة أسس لا مجال لمناقشتها :
أولاً: الأطفال ينتمون إلى المدرسة.
ثانياً: الأطفال يدرسون في المدرسة.
ثالثاً: الأطفال لا يستطيعون أن يتعلموا إلا في المدرسة.
وتحتاج هذه الأسس إلى تساؤل جاد, فقد قررنا بحكم العادة أن يذهب الأطفال إلى المدارس ليفعلوا ما يؤمرون به, على ألا تكون لهم دخول أو عوائل خاصة, ونتوقع منهم يلزموا أماكنهم ويتصرفوا كأطفال .
ولعلنا نذكر بحب أو مرارة ذلك الزمن الذي كنا فيه أطفالاً, وذلك ما يحتم علينا أن نتحمل التصرفات الصبيانية للأطفال, ذلك أن النوع البشري محزون ومحظوظ بمهمة العناية بالأطفال, وننسى في خضم ذلك مفهومنا المعاصر لمعنى الطفولة.
ومن ثم يعتبر الأطفال بحسب التعريف السائد تلاميذ بالضرورة, ولا شك أن الرغبة في مرحلة الطفولة هي التي تخلق طلباً لا حدود له على المدرسين المؤهلين, ذلك أن المدرسة هي المؤسسة التي تقوم على فكرة أن التعلم هو حصيلة العملية التدريسية. وتستمر الحكمة المؤسسية في قبول هذا الاعتقاد على الرغم من الدلائل الدامغة على عدم صحته, إذ نعلم جميعاً أننا تعلمنا معظم معارفنا خارج نطاق المدرسة, وأن التلاميذ يحققون معظم تعليمهم دون مساعدة مدرسيهم, وقد يحققون في بعض الأحيان رغبة هؤلاء المدرسين أيضاً, وللأسف, يبدو أن معظم الرجال يتعلمون دروسهم بواسطة المدرسة حتى وان لم يذهبوا إليها.
إن كل فرد يتعلم كيف يعيش خارج المدرسة, إذ نتعلم جميعاً كيف نتكلم ونفكر ونحب ونشعر ونلعب ونمارس والعمل دون تدخل المدرس, حتى أوائل الأطفال الذين يخضعون لعناية الدرس ليلاً ونهاراً لا يشذون عن هذا الحكم, ذلك أن الأيتام والحمقى وأبناء المدرسين أنفسهم يتعلمون معظم ما يتعلمونه خارج العملية التعليمية التي عادة ما تنظم لهم.
ولكن أثبتت البحوث التعليمية بصورة متزايدة, أن الأطفال يتعلمون معظم ما يتظاهر المدرسون بأنهم ينوون تعليمه من مجموعات الأصدقاء ويتم ذلك عن طريق القصص, والملاحظات العابرة, علاوة على المشاركة في المناسبات المدرسية. ونلاحظ أن المدرسين يعطلون تعلم هذه الأشياء نتيجة ما يمارسونه في المدرسة.
ويبدو من ذلك أن إمكان تأسيس مجتمع حر على مبادئ المدرسة الحديثة هو من الأمور المتهافتة, ذلك أن ممارسة المدرس مع تلميذه, تلغى كل ضمانات الحرية الفردية, وحين يضفى المدرس على نفسه مهام القاضي والأيديولوجي والطبيب تنهار جميع الأسس المهمة في المجتمع بنفس العملية التي تستهدف أن تعد الأجيال للحياة القادمة.
للتواصل : zrommany3@gmail.com
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أولاً: يمكن أن يعني ذلك أن الرجال في المدينة الحديثة سيظلون بصورة متزايدة ضحايا عملية تعليمية فعالة ومستقلة استقلالاً تاماً بمجرد أن يحرموا من التظاهر الضئيل بالاستقلالية النقدية والتي تمنحها المدارس الحرة في الوقت الحاضر على الأقل لعدد محدود من تلاميذها,
ثانياُ: يمكن أن يعني ذلك أن الرجال لا يستطيعون التستر وراء شهاداتهم التي حصلوا عليها في المدارس ويمتلكون الشجاعة التي تمكنهم من التحكم في توجيه المؤسسات التي يشتركون فيها. ويجب علينا ـــ حتى يتأكد الافتراض الثاني ـــ أن نتعلم كيف نقدر القيمة الاجتماعية للعمل والفراغ بأسلوب الأخذ والعطاء التعليمي, ذلك أن التأثير في سياسة الشارع ومكان العمل والمكتبة وبرنامج الأخبار يشكل أفضل الوسائل لقياس فعالية هذه الأشياء كمؤسسات تعليمية.
لذا ، تصنف المدارس الناس بحسب أعمارهم, ويعتمد هذا التصنيف على ثلاثة أسس لا مجال لمناقشتها :
أولاً: الأطفال ينتمون إلى المدرسة.
ثانياً: الأطفال يدرسون في المدرسة.
ثالثاً: الأطفال لا يستطيعون أن يتعلموا إلا في المدرسة.
وتحتاج هذه الأسس إلى تساؤل جاد, فقد قررنا بحكم العادة أن يذهب الأطفال إلى المدارس ليفعلوا ما يؤمرون به, على ألا تكون لهم دخول أو عوائل خاصة, ونتوقع منهم يلزموا أماكنهم ويتصرفوا كأطفال .
ولعلنا نذكر بحب أو مرارة ذلك الزمن الذي كنا فيه أطفالاً, وذلك ما يحتم علينا أن نتحمل التصرفات الصبيانية للأطفال, ذلك أن النوع البشري محزون ومحظوظ بمهمة العناية بالأطفال, وننسى في خضم ذلك مفهومنا المعاصر لمعنى الطفولة.
ومن ثم يعتبر الأطفال بحسب التعريف السائد تلاميذ بالضرورة, ولا شك أن الرغبة في مرحلة الطفولة هي التي تخلق طلباً لا حدود له على المدرسين المؤهلين, ذلك أن المدرسة هي المؤسسة التي تقوم على فكرة أن التعلم هو حصيلة العملية التدريسية. وتستمر الحكمة المؤسسية في قبول هذا الاعتقاد على الرغم من الدلائل الدامغة على عدم صحته, إذ نعلم جميعاً أننا تعلمنا معظم معارفنا خارج نطاق المدرسة, وأن التلاميذ يحققون معظم تعليمهم دون مساعدة مدرسيهم, وقد يحققون في بعض الأحيان رغبة هؤلاء المدرسين أيضاً, وللأسف, يبدو أن معظم الرجال يتعلمون دروسهم بواسطة المدرسة حتى وان لم يذهبوا إليها.
إن كل فرد يتعلم كيف يعيش خارج المدرسة, إذ نتعلم جميعاً كيف نتكلم ونفكر ونحب ونشعر ونلعب ونمارس والعمل دون تدخل المدرس, حتى أوائل الأطفال الذين يخضعون لعناية الدرس ليلاً ونهاراً لا يشذون عن هذا الحكم, ذلك أن الأيتام والحمقى وأبناء المدرسين أنفسهم يتعلمون معظم ما يتعلمونه خارج العملية التعليمية التي عادة ما تنظم لهم.
ولكن أثبتت البحوث التعليمية بصورة متزايدة, أن الأطفال يتعلمون معظم ما يتظاهر المدرسون بأنهم ينوون تعليمه من مجموعات الأصدقاء ويتم ذلك عن طريق القصص, والملاحظات العابرة, علاوة على المشاركة في المناسبات المدرسية. ونلاحظ أن المدرسين يعطلون تعلم هذه الأشياء نتيجة ما يمارسونه في المدرسة.
ويبدو من ذلك أن إمكان تأسيس مجتمع حر على مبادئ المدرسة الحديثة هو من الأمور المتهافتة, ذلك أن ممارسة المدرس مع تلميذه, تلغى كل ضمانات الحرية الفردية, وحين يضفى المدرس على نفسه مهام القاضي والأيديولوجي والطبيب تنهار جميع الأسس المهمة في المجتمع بنفس العملية التي تستهدف أن تعد الأجيال للحياة القادمة.
للتواصل : zrommany3@gmail.com
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية