السعوديون الجدد ملامح وطنية ( 2)
( فك الاقواس .. الجيل الطفل .. رائحة البارود )
لا تجري الأحداث ضمن منظومة الرفق بالفكر ، وهي المنظومة التي تُراعي التدرج في التعلم والتدريب ، وإنما تحدث ضمن منظومة السنن الكونية التي لا تنتظر أحداً ، و لا تُجامل من يستحق العذر في موازين البشر .الأحداث في الداخل والخارج مؤثرة ومرتبطة بالواقع السعودي ؛ فالسعودية لا يمكن أن تنفك من أنها في الذهنية الإسلامية الدرع الواقي والحصن الحصن للإسلام والمسلمين .
مع فجرِ عاصفة الحزم ذهبت ألوانُ الطيف التي تُلون العرييةَ السعودية ، واكتست الأرضُ لوناً واحداً ، في صورةٍ فريدةٍ من الإجماع الشعبي ، والتلاحم بين طبقات الهرم ، حالةٌ من الاستعداد والرضا والرغبة ، كانت هي الزنادُ نحو الانعتاق ، فهل تكون عاصفةُ الحزمِ بدايةَ الخروج من نسق الجيل الطفل ؟
باستثناء حُسْن إدارة الثروةِ النفطيةِ ، ومتانة السياسة الخارجية ، وبعض الإنجازات الداخلية ، تكون كثيرٌ من المكتسبات ، ضمن المنجز الذي يدور ولا يتقدم ، وحينما تصبح المكتسبات بهذه الصورة المكررة ؛ فإنها قد تحقق حداً من المراد في النمو والمعيشة والرفاهية ، ولكنها غير قادرة على تحقيق الخروج من الدائرة ؛ إلّا إلى دائرة أخرى عبر خط أفقي ، قد تكون أكثر اتساعاً أو بريقاً ، ولكنها صورة مكررة مما قبلها ، والأمةُ التي تجعل هذا النوع من التطورِ تقدماً ؛ أمةٌ تنتحرُ ببطء ؛ فإن الورمَ ولو كان حميدا حِمْل على الجسد ، فكيف بحضارة تنتفخ دون أن تُغيّر مكانها ؟
السعوديون لديهم سجل حافل بمثل هذه المكتسبات ، ترجمها شعارُ كلُ شيءٍ على ما يُرام ، والشعورُ بالأفضلية ، والمقارنةُ مع الأقل ، والخوفُ من المختلِف ، وغيرُها من ظواهر الدوران ، وعلى مدى سنوات طويلة ، كانت حقاً طبيعياً ، ومرحلة زمنية لا بد منها ، خاصة حينما نُدرك أننا امتداد لكل حضارة نشأت على أرضنا ولسنا وجها مُغاير ، أعقب احتلال ، أو قَطَنَ بعد نزوح .
الجيل ليس مرحلة زمنية ، بل مرحلة فعلية ، مُحدِداتُها الإنجازُ ، وسِماتُ كلِ جيلٍ مخرجاتُه ؛ ولذا يُستخدم مصطلح الجيل ، في تسمية التطورات التقنية إشارةً إلى الخروج لتطورٍ جديد ، وهذا المعنى هو المعنيُّ في هذا الملْمح ، والجيل الطفل ، نسق طبعي يتكرر في الأُمم ، فإما أن يكون لحداً أو مهداً يطول .
من أهم أسباب تكّون الجيل الطفل ، وإعادة تكراره ، خسارةُ تلك الدهشة التي تصيب الفكر مع كل حدث ، فتكون العودة إلى المربع الأول ليُستأنف نقاشٌ في الأولويات ، وجدلٌ باهتٌ في المُسلّمات ، أو في صورة افتراس أقرب تاريخٍ في حالةٍ تُشبه الانتقام منه ، فيُكررُ الجيلُ نفسه ، ويصعُبُ عليه الخروج إلى الفتوة ، فيُعيدُ التاريخُ نفسه ، والقضيةُ واحدة بوجه آخر ، والمواطنُ مكرر ، ويبقى الجيلُ الطفل نسقٌ ثقافيٌ واجتماعيٌ ، لا يستطيع الإنعتاق من المرحلة إلّا إلى مثلها , وكأنه عاجز عن استيعاب الدرس ، وإغلاق ملف الحدث ؛ فتتشابه هموم الأجيال في جوهرها .
فما أن استنشق العربُ غُبارَ هزيمةِ الأيام الستة ؛ حتى عادوا على أنفسهم ليتهموا دينهم ، وخطابهم النهضوي ، ويتنكرون للإنتماء العربي الأصيل ، وإن تنادوا به ، وما أن تم تحرير الحرم من العابثين ؛ حتى عُدنا لمناقشة أولوياتنا الدينية ، وربما تُتهمُ الفطرة ، واختُلِفَ على طريقة نُصرةِ الجارةِ الكويت ، فكانت الملامة لبعض الأصول الدينية والفكرية والاجتماعية ، فأعيدت كتابةُ التاريخ بقلمٍ رصاصٍ مقلوب ، فتعيش الأنفس بلا تاريخ حاضر .
أفغانستان التي تشبه وادي النعيم - عند منيف في التيه طُويت صفحتُها ، مع جيلٍ كان يحلُمُ مُسْتيقِظُه بكرامات أرضها ، والعراقُ تحولت قِبْلتُها شرقا ، بعد أن غدت أسيرةً في حضن من إستأنف العهد الجديد بالثأر ، تموجُ الأرضُ من حولنا ، في تعبئةٍ طائفيةٍ ، نُحدِّثُ النفسَ بقرع خطوها ، كلما تصورنا حاجتنا للتغيير التجاوزي فلا نغادر مكاناً .
في الداخل غابت صراعاتُ الأقلام الخشبية ، التي تدورعادةً في مناخٍ حرٍ ، يسمح بتوالد الأفكار ، وتأسيسها على بعض ، في تلاقحٍ تراكمي صحي ، ليتحول الصراع بأقلام الحديد ، فكان الإقصاءُ ، والتكفيرُ ، وغلبةُ سوق التصنيف ؛ فازداد ضجيجُ القوقعةِ وغابت رمانةُ الميزان .
ولم يكن ربيع العربِ المنصرفِ من المشهد بالأمس ، بأوفرَ حظاً ، فبين التبختر ، والترنُحِ ؛ يلامسنا صداهُ ، فانقلبت أقلام الحديد سكاكيناً ، فأطل الخريفُ وثمّ قتيلٌ وجريحٌ ومذهولٌ .
الحماس الشديد لكل حالة تتلبس بها نخبةٌ ، أو تيارٌ فئوي من المجتمع ، يقطعُ الفائدةَ التراكمية ، ويذهبُ بالقيمةِ التي يُمكِن توريثها ؛ فالاختلاف النمطي ، القائم على فكرة خروج المغلوب وبطولة الغالب ، يُساهم في انسحاب الاعتدال ، وهروب هامش الحرية ، نحو قيود الوصاية ، أو شعار اليقظة , فيتكرر الجيلُ الطفلُ ، مع كل لحظة حماس .
القبضُ على النهاية ، أحد أهم نتائج تلمُس الأسباب البنائية للجيل الطفل ، النهاية المحسومة بخبر الغيب تقترب في أدبيات التطبيق الشرعي ؛ فتتكلس الأقدامُ نحو الزمن القادم يئساً أو ضعفاً في استيعاب المقاصد الشرعية ، بينما استشراف المستقبل بالنظر المجرد ، يعجز عن استلهام السر الكوني ، في تدبير الأيام ، أو تفسير التناقض بين المعطيات ، ونتائجها التلقائية ، وهنا تتضارب الجذور ، فيموت الزرع ويعود الجيل الطفل .
بعيدا عن الخطاب النخبوي ، قد يفهم المواطنُ الحقيقةَ مجردةً من التعقيدات ، ولكن يبقى رهين دائرة الضوء ، وسجينَ الصوتِ الأقوى ؛ ولذا نجد المنجزات الفردية ، صارخةً في التفوق ، وغايةً في الإبداع ، تُترجم نفسها بقوة ، وستكون هي نواةُ الدمِ الجديدِ ، في منظومة الكفاءات للمراحل القادمة .
الخروجُ من الجيل الطفل ، لا يكونُ وفقَ قواعدِ الترقيةِ الوظيفيةِ ، أو الانتقالاتِ العمريةِ ، فإنْ أردناه كذلك ، فنحن بحاجةٍ إلى وقت طويل ، في زمن السباق الذي لا يحتمل التأخر ، ومن خلال خطة بنائية شاملة ، تستوعب الهمم والأهداف ، وإنما يكون الخروج منه ، باستثمار مخلصٍ صائب ، لكلِ هزةٍ تُلِمُّ بالأمة ؛ لأن الحالة تكون أدعى للقفز الآمن جماعة .
( فك الاقواس .. الجيل الطفل .. رائحة البارود )
لا تجري الأحداث ضمن منظومة الرفق بالفكر ، وهي المنظومة التي تُراعي التدرج في التعلم والتدريب ، وإنما تحدث ضمن منظومة السنن الكونية التي لا تنتظر أحداً ، و لا تُجامل من يستحق العذر في موازين البشر .الأحداث في الداخل والخارج مؤثرة ومرتبطة بالواقع السعودي ؛ فالسعودية لا يمكن أن تنفك من أنها في الذهنية الإسلامية الدرع الواقي والحصن الحصن للإسلام والمسلمين .
مع فجرِ عاصفة الحزم ذهبت ألوانُ الطيف التي تُلون العرييةَ السعودية ، واكتست الأرضُ لوناً واحداً ، في صورةٍ فريدةٍ من الإجماع الشعبي ، والتلاحم بين طبقات الهرم ، حالةٌ من الاستعداد والرضا والرغبة ، كانت هي الزنادُ نحو الانعتاق ، فهل تكون عاصفةُ الحزمِ بدايةَ الخروج من نسق الجيل الطفل ؟
باستثناء حُسْن إدارة الثروةِ النفطيةِ ، ومتانة السياسة الخارجية ، وبعض الإنجازات الداخلية ، تكون كثيرٌ من المكتسبات ، ضمن المنجز الذي يدور ولا يتقدم ، وحينما تصبح المكتسبات بهذه الصورة المكررة ؛ فإنها قد تحقق حداً من المراد في النمو والمعيشة والرفاهية ، ولكنها غير قادرة على تحقيق الخروج من الدائرة ؛ إلّا إلى دائرة أخرى عبر خط أفقي ، قد تكون أكثر اتساعاً أو بريقاً ، ولكنها صورة مكررة مما قبلها ، والأمةُ التي تجعل هذا النوع من التطورِ تقدماً ؛ أمةٌ تنتحرُ ببطء ؛ فإن الورمَ ولو كان حميدا حِمْل على الجسد ، فكيف بحضارة تنتفخ دون أن تُغيّر مكانها ؟
السعوديون لديهم سجل حافل بمثل هذه المكتسبات ، ترجمها شعارُ كلُ شيءٍ على ما يُرام ، والشعورُ بالأفضلية ، والمقارنةُ مع الأقل ، والخوفُ من المختلِف ، وغيرُها من ظواهر الدوران ، وعلى مدى سنوات طويلة ، كانت حقاً طبيعياً ، ومرحلة زمنية لا بد منها ، خاصة حينما نُدرك أننا امتداد لكل حضارة نشأت على أرضنا ولسنا وجها مُغاير ، أعقب احتلال ، أو قَطَنَ بعد نزوح .
الجيل ليس مرحلة زمنية ، بل مرحلة فعلية ، مُحدِداتُها الإنجازُ ، وسِماتُ كلِ جيلٍ مخرجاتُه ؛ ولذا يُستخدم مصطلح الجيل ، في تسمية التطورات التقنية إشارةً إلى الخروج لتطورٍ جديد ، وهذا المعنى هو المعنيُّ في هذا الملْمح ، والجيل الطفل ، نسق طبعي يتكرر في الأُمم ، فإما أن يكون لحداً أو مهداً يطول .
من أهم أسباب تكّون الجيل الطفل ، وإعادة تكراره ، خسارةُ تلك الدهشة التي تصيب الفكر مع كل حدث ، فتكون العودة إلى المربع الأول ليُستأنف نقاشٌ في الأولويات ، وجدلٌ باهتٌ في المُسلّمات ، أو في صورة افتراس أقرب تاريخٍ في حالةٍ تُشبه الانتقام منه ، فيُكررُ الجيلُ نفسه ، ويصعُبُ عليه الخروج إلى الفتوة ، فيُعيدُ التاريخُ نفسه ، والقضيةُ واحدة بوجه آخر ، والمواطنُ مكرر ، ويبقى الجيلُ الطفل نسقٌ ثقافيٌ واجتماعيٌ ، لا يستطيع الإنعتاق من المرحلة إلّا إلى مثلها , وكأنه عاجز عن استيعاب الدرس ، وإغلاق ملف الحدث ؛ فتتشابه هموم الأجيال في جوهرها .
فما أن استنشق العربُ غُبارَ هزيمةِ الأيام الستة ؛ حتى عادوا على أنفسهم ليتهموا دينهم ، وخطابهم النهضوي ، ويتنكرون للإنتماء العربي الأصيل ، وإن تنادوا به ، وما أن تم تحرير الحرم من العابثين ؛ حتى عُدنا لمناقشة أولوياتنا الدينية ، وربما تُتهمُ الفطرة ، واختُلِفَ على طريقة نُصرةِ الجارةِ الكويت ، فكانت الملامة لبعض الأصول الدينية والفكرية والاجتماعية ، فأعيدت كتابةُ التاريخ بقلمٍ رصاصٍ مقلوب ، فتعيش الأنفس بلا تاريخ حاضر .
أفغانستان التي تشبه وادي النعيم - عند منيف في التيه طُويت صفحتُها ، مع جيلٍ كان يحلُمُ مُسْتيقِظُه بكرامات أرضها ، والعراقُ تحولت قِبْلتُها شرقا ، بعد أن غدت أسيرةً في حضن من إستأنف العهد الجديد بالثأر ، تموجُ الأرضُ من حولنا ، في تعبئةٍ طائفيةٍ ، نُحدِّثُ النفسَ بقرع خطوها ، كلما تصورنا حاجتنا للتغيير التجاوزي فلا نغادر مكاناً .
في الداخل غابت صراعاتُ الأقلام الخشبية ، التي تدورعادةً في مناخٍ حرٍ ، يسمح بتوالد الأفكار ، وتأسيسها على بعض ، في تلاقحٍ تراكمي صحي ، ليتحول الصراع بأقلام الحديد ، فكان الإقصاءُ ، والتكفيرُ ، وغلبةُ سوق التصنيف ؛ فازداد ضجيجُ القوقعةِ وغابت رمانةُ الميزان .
ولم يكن ربيع العربِ المنصرفِ من المشهد بالأمس ، بأوفرَ حظاً ، فبين التبختر ، والترنُحِ ؛ يلامسنا صداهُ ، فانقلبت أقلام الحديد سكاكيناً ، فأطل الخريفُ وثمّ قتيلٌ وجريحٌ ومذهولٌ .
الحماس الشديد لكل حالة تتلبس بها نخبةٌ ، أو تيارٌ فئوي من المجتمع ، يقطعُ الفائدةَ التراكمية ، ويذهبُ بالقيمةِ التي يُمكِن توريثها ؛ فالاختلاف النمطي ، القائم على فكرة خروج المغلوب وبطولة الغالب ، يُساهم في انسحاب الاعتدال ، وهروب هامش الحرية ، نحو قيود الوصاية ، أو شعار اليقظة , فيتكرر الجيلُ الطفلُ ، مع كل لحظة حماس .
القبضُ على النهاية ، أحد أهم نتائج تلمُس الأسباب البنائية للجيل الطفل ، النهاية المحسومة بخبر الغيب تقترب في أدبيات التطبيق الشرعي ؛ فتتكلس الأقدامُ نحو الزمن القادم يئساً أو ضعفاً في استيعاب المقاصد الشرعية ، بينما استشراف المستقبل بالنظر المجرد ، يعجز عن استلهام السر الكوني ، في تدبير الأيام ، أو تفسير التناقض بين المعطيات ، ونتائجها التلقائية ، وهنا تتضارب الجذور ، فيموت الزرع ويعود الجيل الطفل .
بعيدا عن الخطاب النخبوي ، قد يفهم المواطنُ الحقيقةَ مجردةً من التعقيدات ، ولكن يبقى رهين دائرة الضوء ، وسجينَ الصوتِ الأقوى ؛ ولذا نجد المنجزات الفردية ، صارخةً في التفوق ، وغايةً في الإبداع ، تُترجم نفسها بقوة ، وستكون هي نواةُ الدمِ الجديدِ ، في منظومة الكفاءات للمراحل القادمة .
الخروجُ من الجيل الطفل ، لا يكونُ وفقَ قواعدِ الترقيةِ الوظيفيةِ ، أو الانتقالاتِ العمريةِ ، فإنْ أردناه كذلك ، فنحن بحاجةٍ إلى وقت طويل ، في زمن السباق الذي لا يحتمل التأخر ، ومن خلال خطة بنائية شاملة ، تستوعب الهمم والأهداف ، وإنما يكون الخروج منه ، باستثمار مخلصٍ صائب ، لكلِ هزةٍ تُلِمُّ بالأمة ؛ لأن الحالة تكون أدعى للقفز الآمن جماعة .