لم يعد الفكر الذي ينذر بتدهور الحضارة الغربية جديداً، فقد حذر كثير من الفلاسفة والمفكرين من المخاطر التي تسير عليها الحضارة الغربية في صورتها الراهنة، ويأتي في مقدمة هؤلاء ((اشبنجلر)) و ((وبرتراند رسل)) و ((أرنولد توينبي)) و ((روجيه غارودي)) وغيرهم.
واتجهت معظم الآراء التي حاولت تلافي الأخطار التي أشار إليها أولئك المفكرون وجهتين، اعتمدت الأولى على طرح الأفكار التي تدعو إلى اصلاح الوضع القائم، بينما اعتمدت الأخرى على الاتجاهات المستقبلية التي تبشر بمجئ عالم مختلف عن العالم الذي نعيش فيه.
ولم يكن ما ذهب إليه أولئك مقنعاً، ذلك أن المؤشرات التي يسير عليها عالم اليوم، أكدت عدم فعالية الاتجاهين السابقين في حل المشكلات القائمة، وكان طبعياً أن يبدأ المفكرون في اتخاذ طرق جديدة تحول بين العالم وتأخره عن إحداث التغييرات المطلوبة في الوقت المناسب من جهة، والاستسلام لأحلام الغد المجهول من جهة أخرى.
ويعتبر اتجاه اللامدرسيين واحداً من هذه الاتجاهات الجديدة. وعلى الرغم من تركيز هذا الاتجاه على النظام التعليمي بصفة خاصة، فقد ظلت نظرته تتجاوز حدود النظام التعليمي إلى المؤسسات الاجتماعية بأسرها.
إن نظام المدارس الحالي يقوم على مبادئ الامتيازات الهرمية، ذلك أن الذي يقضي زمناً أطول في المدارس ويحصل على شهاداتها يتبوأ مكانة أرقى في المجتمع، ويعرف النظام الحالي المزايا التي يحصل عليها الخريج بحسب المعطيات التي يوفرها المجتمع القائم للإنسان وليس بحسب أهمية هذه المزايا وضرورتها وهي في معظمها معطيات استهلاكية تنافسية تتجه نحو استهلاك المنتجات التقنية التي تفرزها المؤسسات التي تسعى نحو المحافظة على الشرائح المستهلكة في وضعها الحالي.
ولا تكتفي المدارس الحالية بتدجين الأطفال للاستجابة لقيم مجتمع الاستهلاك فحسب، بل هي تحاول من خلال هذه العملية أن تجعل الإنسان مدمناً لهذه القيم، وغير قادر على نقدها، وهي تستهدف من خلال هذه العملية أن تجعله كائناً مطيعاً يفتقر إلى ملكة النقد، وهذه واحدة من الأسس المهمة التي قامت عليها الحضارة الصناعية التي استهدفت أن يؤدي الإنسان دوراً محدوداً في المجتمع من خلال عملية الإنتاج دون أن يكون له الحق في تغيير هذا الدور.
إن كثير من الطلاب وعلى وجه الخصوص الفقراء منهم يدرك بالسليقة ما تعنيه المدرسة في حياتهم، إذ هم يتعلمون كيف يخلطون بين العملية ومحتواها، وحين يصابون بالضبابية يبدأون منطقاً جديداً، وهو كلما كثرت المعالجة، تحسنت النتائج، أو يؤدي التصعيد بالضروة إلى النجاح.
وهكذا يمدرس الطالب كي يخلط بين التدريس والتعلم، وبين التقدم في الدرجات والتعليم، وبين الدبلوما والكفاءة. لقد مدرس خياله كي يقبل الخدمة بدلاً من القيمة، مثل إقناع المريض بالذهاب إلى المستشفى ختى لو لم يقدم له العلاج الناجع , ويتم بهذا الأسلوب الخلط بين المعالجة الطبية والعناية الصحية، وبين العمل الاجتماعي وتحسين حياة المجتمع، وبين الحماية البوليسية والأمن، وبين سباق الفئران والعمل الإنتاجي، وأصبح تعريف الصحة والتعليم والكرامة والاستقلال والمحاولات الإبداعية لا يتعدى في معظم الحالات الممارسات التي تقوم بها المؤسسات التي تدعى أنها تخدم تلك الأغراض، بل أصبح تطوير هذه الأغراض يعتمد في الأساس على زيادة المخصصات المقررة لإعانة المستشفيات والمدارس وسائر المرافق الأخرى.
للتواصل : zrommany3@gmail.com
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
واتجهت معظم الآراء التي حاولت تلافي الأخطار التي أشار إليها أولئك المفكرون وجهتين، اعتمدت الأولى على طرح الأفكار التي تدعو إلى اصلاح الوضع القائم، بينما اعتمدت الأخرى على الاتجاهات المستقبلية التي تبشر بمجئ عالم مختلف عن العالم الذي نعيش فيه.
ولم يكن ما ذهب إليه أولئك مقنعاً، ذلك أن المؤشرات التي يسير عليها عالم اليوم، أكدت عدم فعالية الاتجاهين السابقين في حل المشكلات القائمة، وكان طبعياً أن يبدأ المفكرون في اتخاذ طرق جديدة تحول بين العالم وتأخره عن إحداث التغييرات المطلوبة في الوقت المناسب من جهة، والاستسلام لأحلام الغد المجهول من جهة أخرى.
ويعتبر اتجاه اللامدرسيين واحداً من هذه الاتجاهات الجديدة. وعلى الرغم من تركيز هذا الاتجاه على النظام التعليمي بصفة خاصة، فقد ظلت نظرته تتجاوز حدود النظام التعليمي إلى المؤسسات الاجتماعية بأسرها.
إن نظام المدارس الحالي يقوم على مبادئ الامتيازات الهرمية، ذلك أن الذي يقضي زمناً أطول في المدارس ويحصل على شهاداتها يتبوأ مكانة أرقى في المجتمع، ويعرف النظام الحالي المزايا التي يحصل عليها الخريج بحسب المعطيات التي يوفرها المجتمع القائم للإنسان وليس بحسب أهمية هذه المزايا وضرورتها وهي في معظمها معطيات استهلاكية تنافسية تتجه نحو استهلاك المنتجات التقنية التي تفرزها المؤسسات التي تسعى نحو المحافظة على الشرائح المستهلكة في وضعها الحالي.
ولا تكتفي المدارس الحالية بتدجين الأطفال للاستجابة لقيم مجتمع الاستهلاك فحسب، بل هي تحاول من خلال هذه العملية أن تجعل الإنسان مدمناً لهذه القيم، وغير قادر على نقدها، وهي تستهدف من خلال هذه العملية أن تجعله كائناً مطيعاً يفتقر إلى ملكة النقد، وهذه واحدة من الأسس المهمة التي قامت عليها الحضارة الصناعية التي استهدفت أن يؤدي الإنسان دوراً محدوداً في المجتمع من خلال عملية الإنتاج دون أن يكون له الحق في تغيير هذا الدور.
إن كثير من الطلاب وعلى وجه الخصوص الفقراء منهم يدرك بالسليقة ما تعنيه المدرسة في حياتهم، إذ هم يتعلمون كيف يخلطون بين العملية ومحتواها، وحين يصابون بالضبابية يبدأون منطقاً جديداً، وهو كلما كثرت المعالجة، تحسنت النتائج، أو يؤدي التصعيد بالضروة إلى النجاح.
وهكذا يمدرس الطالب كي يخلط بين التدريس والتعلم، وبين التقدم في الدرجات والتعليم، وبين الدبلوما والكفاءة. لقد مدرس خياله كي يقبل الخدمة بدلاً من القيمة، مثل إقناع المريض بالذهاب إلى المستشفى ختى لو لم يقدم له العلاج الناجع , ويتم بهذا الأسلوب الخلط بين المعالجة الطبية والعناية الصحية، وبين العمل الاجتماعي وتحسين حياة المجتمع، وبين الحماية البوليسية والأمن، وبين سباق الفئران والعمل الإنتاجي، وأصبح تعريف الصحة والتعليم والكرامة والاستقلال والمحاولات الإبداعية لا يتعدى في معظم الحالات الممارسات التي تقوم بها المؤسسات التي تدعى أنها تخدم تلك الأغراض، بل أصبح تطوير هذه الأغراض يعتمد في الأساس على زيادة المخصصات المقررة لإعانة المستشفيات والمدارس وسائر المرافق الأخرى.
للتواصل : zrommany3@gmail.com
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية