كلمة طالما سمعناها في مجالسنا ، نخوّف بها بعضنا من حديث ما ، بل وقد نسوقها في سياق طريف بأسلوب ظريف ؛ فتجد البعض عندما يتحدثون عن زوجاتهم يبادر أحدهم مستظرفاً بقوله ( بالله فكونا من السياسة ) لأنه يعلم يقينا أن الحديث فعلاً سينتهي !
والحقيقة أن هذه الكلمة استخدمت ايضاً في سياقات لا تصح ولا تستملح ايضاً ، وذلك عندما يُردّ على من ينتقد مديراً أو وزيراً في قراراته أو سياسته في إدارته أو وزارته معللين أن نقد هؤلاء ( من السياسة ) .
وهي ايضاً تلك الكلمة قد تكون حلاً جيداً لإنهاء نقاشٍ ما ، فبقولنا ( فكونا من السياسة ) ينتهي النقاش وتخبوا ناره ، بل لك أن تتخيل وقع هذه الكلمة على النفوس وقوة تأثيرها على الناس ؛ فعندما يتحدث معك أحدهم حديثاً عاماً ؛ تجده يتحدث بحرية وطلاقة وبصوت واضح ، وإذا جاء الحديث ( عن السياسة ) خفض صوته والتفت يمنة ويسرة واقترب منك ، ليقول لك ( يا أخي قرار الوزير أحسه غلط ) والتعليل ( الجدران لها آذان ) !
في الحقيقة يعتبر طرح مثل هذا الموضوع من " السياسة " لذا اقتربوا مني جداً وحاولي أن تقرأو حروفي الخائفة من آذان الجدران لأني سأقول لكم ( قرارات بعض المدراء والوزراء أحسها أشبه بنظام : خبط لزق ) إذ من الممكن أن يصدر قرار اليوم ، بدت فكرته في ساعة وخطط له في نفس الساعة ، ودرس تماماً خلال تلك الساعة ، وصدر ذلك القرار في أول ربع ساعة من تلك الساعة المباركة التي ذكرت لكم !
لا أقوله انتقاداً ؛ لعدم دراسة كثير مما يصدر من قرارات المدراء والوزراء ، ولقصور في النظر لما يتربت على هذا القرار ؛ بل قد يكون القرار بالفعل ناجحاً ولو كان اخصابه وحمله ووضعه في " بعض ساعة "
لأنه من الممكن أن يكون مِن هؤلاء مباركون.. وأهل كرامات !
صدقوني ان بعضهم قد روج لهذه الكلمة كونها تخدم مصالحه الخاصة ، وتعطيه شيء من الحصانة ليمرر من خلالها آراء لا تخدم الوطن ولا تصب إلا في " جيبه " ، والذي يبعث الأسى في النفس أن الناس تشربوا هذا حتى غدا المواطن لا يستطيع أن يطالب بحقه ( كون ذلك من السياسة ) ، وإن هذا الحال لولا حلول ( الربيع ) لكان الحديث في بقالة حارتنا من السياسة .
إن لكل مواطن صوتا يجب أن يبديه ما دام يصب في مصلحة بلادنا ولا يخالف شرعنا وليعلم المواطن أن كل مسؤول إنما وجد لخدمته وخدمة وطنه ، ليس لخدمة نفسه واهل بيته ، فإبداء الرأي بطريقة محترمة بأسلوب حسن أو النقد الموضوعي السليم كله دليل على وعي المواطن ، وتقبل الراي وأخذه بعين الاعتبار دليل على وعي المسؤول ووينبؤ عن مدى تقديره واحترامه لمواطنيه .
أخيراً : لعل " الحديث في السياسة " يحوي في جانبه الكثير الكثير مما ينبغي أن نتحدث عنه ، ونكتب فيه ، ونبدي آراءنا حوله ، فعبارة " فكونا من السياسة " أشبه بثمرة صيفية لا تنموا إلا صيفاً ، لكن " الربيع " لا يعترف بهذه الثمرة بل إنه اجتث جذورها اجتثاثا .
رجاء : يا أصحاب الردود ، أرجو أن تكون تعليقاتكم بعيداً عن السياسة !