فتح صاحبي دكانا، وكان أغلب بضاعته السردين، واللحمة البقري ،ولحمة الخروف المعلّبة .والحقيقة أنه لم يكن تاجرا يحسب الربح والخسارة المادية . فربحه أن يجتمع عنده الأحباب، وخسارته أن لا يجد من يؤنس وحدته . وهنا لا أبالغ إذا قلت بأنه كان عبقريا ويجيد فن الرسم والنحت . وقد ألّف بين علب السردين واللحمة البقري روايته " العاشرة ليلا " ، وهي سر من أسراره التي ما زالت مخبوءة في نفسه إلى هذه الساعة .
وفي تلك الفترة كانت نفسي تعاف السردين ، وصاحبي يعلم ذلك ، وكان يدعوني كلما ضحى بواحدة من علب لحمة الخروف أو البقري ، ولم نلتفت يومها إلى تاريخ الصلاحية ، المهم أن نأكل لحمة حتى لو كانت من القرون الوسطى . وتلك المعلبات لها طعم لذيذ ورائحة توقظ المصارين المغشي عليها من الجوع . وفي إحدى الليالي ألفيته يطبخ لحمة الخروف ، وقد جئته على حين غرة ، فقال لي وهو يقلقل اللحمة : أتدري يا فلان أنهم وجدوا في إحدى علب اللحمة إصبع إنسان ؟ لقد قرأت ذلك في إحدى المجلات !
لم يدرك صاحبي أنه بهذا الخبر الفظيع قد سد كل مناسم شهيتي ، لذلك لم أشاركه وجبته ، وكنت أنظر بشوق وهو يلتهم اللحمة ، لكنني كنت أتخيل صورة الإصبع . ومن ذلك اليوم فارقت نفسي لذيذ طعم لحمة الخروف والبقري وإلى هذه الساعة ، وكلما رأيت تلك العلب في الدكاكين تذكرت تلك الواقعة .
كان صاحبي عاشقا للأدب، ومن بين علب السردين واللحمة البقري وعلى أحد الرفوف هناك كتاب " ألف ليلة وليلة " بورقاته الصفراء القديمة ، وكنا نقرأه على فانوس يعلق سناه في أنوفنا . وفي تلك الأيام كانت لنا أمال وأحلام بعيدة المدى ، ونحن سعداء أننا كنا نسير نحوها . لكن صاحبي أدرك بعد سنين أنها كانت أضغاث أحلام . وقبل أسبوع جمعني به لقاء، وقد رأيت الحزن في عينيه، وعلى تقاسيم وجهه، فأخذت أذكره بتلك الأيام الخوالي : أيام السردين ولحمة الخروف ، وبروايته " العاشرة ليلا " ، وبليالي " ألف ليلة وليلة " . فابتسم ابتسامة الحزين ثم قال : كنا في زمن ألف ليلة وليلة ، واليوم نحن في زمن ألف خيبة وخيبة !
آآآه ! أكاد أبصم بالعشرة على صدق مقولة صاحبي وأننا في زمن " ألف خيبة وخيبة " ومن تلك الخيبات أنك لا تستطيع أن تربي أولادك على ما تشتهيه نفسك ، وأعلى تلك الخيبات هي " خيبة أمّة " .
وتحية إلى كل من جعل من نفسه شمعة تحترق من أجل الآخرين
وفي تلك الفترة كانت نفسي تعاف السردين ، وصاحبي يعلم ذلك ، وكان يدعوني كلما ضحى بواحدة من علب لحمة الخروف أو البقري ، ولم نلتفت يومها إلى تاريخ الصلاحية ، المهم أن نأكل لحمة حتى لو كانت من القرون الوسطى . وتلك المعلبات لها طعم لذيذ ورائحة توقظ المصارين المغشي عليها من الجوع . وفي إحدى الليالي ألفيته يطبخ لحمة الخروف ، وقد جئته على حين غرة ، فقال لي وهو يقلقل اللحمة : أتدري يا فلان أنهم وجدوا في إحدى علب اللحمة إصبع إنسان ؟ لقد قرأت ذلك في إحدى المجلات !
لم يدرك صاحبي أنه بهذا الخبر الفظيع قد سد كل مناسم شهيتي ، لذلك لم أشاركه وجبته ، وكنت أنظر بشوق وهو يلتهم اللحمة ، لكنني كنت أتخيل صورة الإصبع . ومن ذلك اليوم فارقت نفسي لذيذ طعم لحمة الخروف والبقري وإلى هذه الساعة ، وكلما رأيت تلك العلب في الدكاكين تذكرت تلك الواقعة .
كان صاحبي عاشقا للأدب، ومن بين علب السردين واللحمة البقري وعلى أحد الرفوف هناك كتاب " ألف ليلة وليلة " بورقاته الصفراء القديمة ، وكنا نقرأه على فانوس يعلق سناه في أنوفنا . وفي تلك الأيام كانت لنا أمال وأحلام بعيدة المدى ، ونحن سعداء أننا كنا نسير نحوها . لكن صاحبي أدرك بعد سنين أنها كانت أضغاث أحلام . وقبل أسبوع جمعني به لقاء، وقد رأيت الحزن في عينيه، وعلى تقاسيم وجهه، فأخذت أذكره بتلك الأيام الخوالي : أيام السردين ولحمة الخروف ، وبروايته " العاشرة ليلا " ، وبليالي " ألف ليلة وليلة " . فابتسم ابتسامة الحزين ثم قال : كنا في زمن ألف ليلة وليلة ، واليوم نحن في زمن ألف خيبة وخيبة !
آآآه ! أكاد أبصم بالعشرة على صدق مقولة صاحبي وأننا في زمن " ألف خيبة وخيبة " ومن تلك الخيبات أنك لا تستطيع أن تربي أولادك على ما تشتهيه نفسك ، وأعلى تلك الخيبات هي " خيبة أمّة " .
وتحية إلى كل من جعل من نفسه شمعة تحترق من أجل الآخرين