تبوك تتغير... لكن إلى ماذا ؟!!
هل إلى الأفضل أم إلى الأسوأ ...؟, تلك هي تكملة العنوان,لا شك أن الشخص العادي من أهل المدينة يراقب المشاريع الدؤوبة بكثير من الشغف و السرور خصوصا الشوارع و الجسور التي كانت حلماً يبدو بعيد المنال و أصبحت واقعاً تحقق أو في طريقه إلى التحقيق بسبب الدعم الحكومي السخي الذي عم جميع المناطق. لكن الأمر يختلف بالنسبة للمهندسين و المخططين المختصين بالمدن و الذين يمكن تلخيص أهم مآخذهم بالنواحي التالية :-
غياب شبه كامل لمسارات المشاة.
و ليس الأمر كما يظن البعض محصور في معابر وجسور المشاة التي ما هي إلاّ جزء من منظومة متكاملة في هندسة المرور ( Traffic Engineer) تسمى حركة المشاة ( Pedestrian ). إن الحركة التي يجب أن تعطى الأولوية عند تصميم المخطط العام للمدينة هي حركة المشاة لا حركة المركبات, حيث يجب ربط جميع مراكز التجمعات من سكنية و تجارية و دينية و طبية و ترفيهية و خلافه بشبكة مشاة سلسة و آمنة و كافية . بعبارة أخرى يجب أن يكون الشخص قادراً على أن يجوب المدينة مشياً بكل سلاسة و أمان, و هذا ما يمكن ملاحظته بسهولة في الدول المتقدمة. لكن الوضع الحالي و المخطّط له في المستقبل من قبل أمانة تبوك لا يشي بوعيها أو بإعارتها أي أهمية لهذه الحقيقة. و قد يحتج البعض قائلاً أننا مجتمع لا يمشي و كل تحركاتنا بالسيارة, و هذه حجّة واهية يدحضها المنطق كما تدحضها إحصائيات حوادث الدهس المتزايدة في تبوك, فعندما ينتصب مركزان تجاريان كبيران في مواجهة بعضهما كمركز الحكير مثلاً و جراند تبوك و الذين يفصل بينهما شارع فلا تتوقع من عائلة أن تتصل بالسائق ليوصلها من أحد المركزين إلى الآخر و الذي لا يفصله عنه سوى أمتار. و غير بعيد عنهما يقع مسجد الدعوة في مواجهة حي الأخويا المكتظ, و قد أزهقت أرواح كثيرة في محاولة العبور بإتجاه المسجد أو العكس. و قد زادت الأمانة الأمر صعوبة بعمل الصبات الخرسانية ( النيوجيرسي) عوضاً عن الأرصفة. و تلك الصبات لا ينبغي عملها في داخل المدن وإنما في الطرق السريعة العابرة للتجمعات الحضرية.
إن العبور بين تلك التجمعات أصبح مجازفة بالروح حيث أن تبوك صارت عملياً كمجموعة جزر لا يمكن التحرك فيما بينها إلّا باستخدام القوارب و التي هي هنا السيارت, و شبكة المشاة المتكاملة هي الحل المعمول به عالمياً, و هذه الشبكة تكون مرادفة لشبكة الشوارع و يُوفَّر لها معابر على مسافات و في أماكن مدروسة تشمل إشارات ضوئية خاصة بالمشاة على جانبي محاور الشوارع كثيفة الحركة, فمثلاً شارعي الملك سعود و الملك خالد الذان تم توحيد إتجاه الحركة فيهما أصبح التنقّل للمشاة من جهة لأخرى خطر للغاية خصوصاً للعوائل التي تتنقل بين المراكز التجارية على الجانبين.و ينبغي في هذين الشارعين عمل معابر مشاة بإشارات ضوئية على مسافات لا تزيد عن 500 متر, و هي ليست معيقة للحركة كما يتبادر إلى الذهن فهذه الإشارات لا تعمل إلا في حال وجود المشاة كما أنها تعمل بطريقة تراعي انسياب حركة المركبات, أما جسور المشاة فهي ليست الحلول المفضلة للمهندسين لاعتبارات كثيرة ولا يُلجأ لها إلا في حالات معينة.
توحيد مسارات المركبات .. ما هكذا تورد ( الطرق)..
يعد توحيد إتجاهات الشوارع حلّاً تخطيطياً مجدٍ و لكن في حالات معينة و بشرطين أساسيين, الأول أن يكون محوري الحركة المتعاكسين قريبين من بعضهما, و الثاني أن تكون المنافذ بينهما كثيرة و متقاربة و ذلك لتسهيل تغيير الحركة في الإتجاهين و لكي يصبح المحورين نافذين ( Accessible), و هذا ما لا نراه أبداً في ما نفذته الأمانة في شارعي الملك خالد (شمال جنوب) و الملك سعود ( جنوب شمال), حيث أن المسافة بين الشارعين بعيدة و تضم أحياء بأسرها و المنافذ بين الشارعين متباعدة و قليلة ما جعل الحركة بينهما تمر في دهاليز تلك الأحياء و تنتهك خصوصيتها و هدوئها. وقد لجأت الأمانة كعادتها إلى الصبات الخرسانية لتنظيم الحركة عند تلك المنافذ في منظر مضحك مبك و كأنها تفاجأت بوضع رغم كونه قائماَ قبل بدء المشروع.
الجزيرة الوسطية و إشكالياتها..
عندما تسافر إلى مدن العالم المتطور ستلاحظ عدم وجود جزر وسطية في الشوارع إلا مسافة أمتار قبل التقاطعات المتواجد فيها إشارات مرورية و في مواقع خاصة محدودة, السبب في ذلك هو أن الفصل المستمر بين إتجاهي الشارع يؤدي إلى تكدّس الحركة عند المنافذ و بالتالي عسر المرور و كثرة الحوادث, وقد يجادل البعض مكرراً مقولة أننا كشعب لا ينفع معنا سوى فصل الحركة بالجزر الوسطية لأننا أقل وعياً من الشعوب المتقدمة, لكن هذه الحجة يدحضها الواقع فعند معظم تلك الشعوب يسمح بالقيادة للسكارى لحد معين و مع ذلك يتم تطبيق تلك الحلول عندهم بنجاح, و لو استخدم أحدنا برنامج القوقل إيرث لوجد أن عدد الجزر الوسطية بتبوك هو - رغم فارق الحجم - أضعاف ما هو موجود في لندن أو باريس. فهي منفذة عندنا حتى داخل الأحياء و قد يصل عرض الجزيرة إلى بلاطة واحدة في حي لا تتجاوز السرعة فيه 40 كم/ ساعة, و قد إضطرت الأمانة بإلحاح من المواطنين إلى إزالة تلك الجزر في بعض الأحياء, و هكذا يدفع الوطن ملايين في تنفيذ الأخطاء و ملايين أخرى في إزالتها.
تبوك تغير شخصيتها...
في خضم المشاريع الكثيرة و التي جعلت تبوك أشبه بورشة عمل كبيرة تمت إزالة بعض من أشهر معالمها ((Landmarks و من أهمها ميدان الدانة بنصبه المميز و دوار السنابل وقريباٌ دوار الله أكبر المجاور لمقر الإمارة, و تلك المعالم شكّلت لعقود شخصية المدينة و لا يكاد يخلو أي برنامج وثائقي أو تقرير مصور عن تبوك من تلك المعالم. و رغم أن إزالتها كانت ضرورية نظراً لمتطلباب التطوير إلا إن الحاجة برزت الآن لتقوية الشخصية المعمارية للمدينة و التي ضعفت بشدة بعد إزالة تلك المعالم, خصوصاً أنه لا يوجد معالم طبيعية كالبحر أو الجبال تعمل كمعلم أو حد (Edgge), و يمكن اعتبار خزان المياه المكتمل حديثاً محاولة جيدة في هذا المضمار لكنه غير كافٍ, أما الجامعة ببرجها الإداري الجميل فللأسف يقلل من مساهمته التي يضفيها على شخصية المدينة ما يتردد من تشابهه أو حتى تطابقه مع الأبراج الجامعية في مدن أخرى, و ليس ذلك خاص بالبرج الإداري فقط و إنما جميع منشآت الجامعة بما فيها السور, و هذا ما يفوّت على المدينة الإستفادة من جامعتها كمعلم معماري مميز.
إن ذلك يحتم على أمانة تبوك تصميم نُصب و تشكيلات ملفتة و معبرة عن المدينة و خصوصيتها لتعمل كمعالم معمارية تضفي شخصية مميزة لتبوك مستمدة من تراث و خصائص المنطقة.
م/ عبد الله أحمد الحويطي
قسم التقنية المدنية و المعمارية
الكلية التقنية بتبوك
هل إلى الأفضل أم إلى الأسوأ ...؟, تلك هي تكملة العنوان,لا شك أن الشخص العادي من أهل المدينة يراقب المشاريع الدؤوبة بكثير من الشغف و السرور خصوصا الشوارع و الجسور التي كانت حلماً يبدو بعيد المنال و أصبحت واقعاً تحقق أو في طريقه إلى التحقيق بسبب الدعم الحكومي السخي الذي عم جميع المناطق. لكن الأمر يختلف بالنسبة للمهندسين و المخططين المختصين بالمدن و الذين يمكن تلخيص أهم مآخذهم بالنواحي التالية :-
غياب شبه كامل لمسارات المشاة.
و ليس الأمر كما يظن البعض محصور في معابر وجسور المشاة التي ما هي إلاّ جزء من منظومة متكاملة في هندسة المرور ( Traffic Engineer) تسمى حركة المشاة ( Pedestrian ). إن الحركة التي يجب أن تعطى الأولوية عند تصميم المخطط العام للمدينة هي حركة المشاة لا حركة المركبات, حيث يجب ربط جميع مراكز التجمعات من سكنية و تجارية و دينية و طبية و ترفيهية و خلافه بشبكة مشاة سلسة و آمنة و كافية . بعبارة أخرى يجب أن يكون الشخص قادراً على أن يجوب المدينة مشياً بكل سلاسة و أمان, و هذا ما يمكن ملاحظته بسهولة في الدول المتقدمة. لكن الوضع الحالي و المخطّط له في المستقبل من قبل أمانة تبوك لا يشي بوعيها أو بإعارتها أي أهمية لهذه الحقيقة. و قد يحتج البعض قائلاً أننا مجتمع لا يمشي و كل تحركاتنا بالسيارة, و هذه حجّة واهية يدحضها المنطق كما تدحضها إحصائيات حوادث الدهس المتزايدة في تبوك, فعندما ينتصب مركزان تجاريان كبيران في مواجهة بعضهما كمركز الحكير مثلاً و جراند تبوك و الذين يفصل بينهما شارع فلا تتوقع من عائلة أن تتصل بالسائق ليوصلها من أحد المركزين إلى الآخر و الذي لا يفصله عنه سوى أمتار. و غير بعيد عنهما يقع مسجد الدعوة في مواجهة حي الأخويا المكتظ, و قد أزهقت أرواح كثيرة في محاولة العبور بإتجاه المسجد أو العكس. و قد زادت الأمانة الأمر صعوبة بعمل الصبات الخرسانية ( النيوجيرسي) عوضاً عن الأرصفة. و تلك الصبات لا ينبغي عملها في داخل المدن وإنما في الطرق السريعة العابرة للتجمعات الحضرية.
إن العبور بين تلك التجمعات أصبح مجازفة بالروح حيث أن تبوك صارت عملياً كمجموعة جزر لا يمكن التحرك فيما بينها إلّا باستخدام القوارب و التي هي هنا السيارت, و شبكة المشاة المتكاملة هي الحل المعمول به عالمياً, و هذه الشبكة تكون مرادفة لشبكة الشوارع و يُوفَّر لها معابر على مسافات و في أماكن مدروسة تشمل إشارات ضوئية خاصة بالمشاة على جانبي محاور الشوارع كثيفة الحركة, فمثلاً شارعي الملك سعود و الملك خالد الذان تم توحيد إتجاه الحركة فيهما أصبح التنقّل للمشاة من جهة لأخرى خطر للغاية خصوصاً للعوائل التي تتنقل بين المراكز التجارية على الجانبين.و ينبغي في هذين الشارعين عمل معابر مشاة بإشارات ضوئية على مسافات لا تزيد عن 500 متر, و هي ليست معيقة للحركة كما يتبادر إلى الذهن فهذه الإشارات لا تعمل إلا في حال وجود المشاة كما أنها تعمل بطريقة تراعي انسياب حركة المركبات, أما جسور المشاة فهي ليست الحلول المفضلة للمهندسين لاعتبارات كثيرة ولا يُلجأ لها إلا في حالات معينة.
توحيد مسارات المركبات .. ما هكذا تورد ( الطرق)..
يعد توحيد إتجاهات الشوارع حلّاً تخطيطياً مجدٍ و لكن في حالات معينة و بشرطين أساسيين, الأول أن يكون محوري الحركة المتعاكسين قريبين من بعضهما, و الثاني أن تكون المنافذ بينهما كثيرة و متقاربة و ذلك لتسهيل تغيير الحركة في الإتجاهين و لكي يصبح المحورين نافذين ( Accessible), و هذا ما لا نراه أبداً في ما نفذته الأمانة في شارعي الملك خالد (شمال جنوب) و الملك سعود ( جنوب شمال), حيث أن المسافة بين الشارعين بعيدة و تضم أحياء بأسرها و المنافذ بين الشارعين متباعدة و قليلة ما جعل الحركة بينهما تمر في دهاليز تلك الأحياء و تنتهك خصوصيتها و هدوئها. وقد لجأت الأمانة كعادتها إلى الصبات الخرسانية لتنظيم الحركة عند تلك المنافذ في منظر مضحك مبك و كأنها تفاجأت بوضع رغم كونه قائماَ قبل بدء المشروع.
الجزيرة الوسطية و إشكالياتها..
عندما تسافر إلى مدن العالم المتطور ستلاحظ عدم وجود جزر وسطية في الشوارع إلا مسافة أمتار قبل التقاطعات المتواجد فيها إشارات مرورية و في مواقع خاصة محدودة, السبب في ذلك هو أن الفصل المستمر بين إتجاهي الشارع يؤدي إلى تكدّس الحركة عند المنافذ و بالتالي عسر المرور و كثرة الحوادث, وقد يجادل البعض مكرراً مقولة أننا كشعب لا ينفع معنا سوى فصل الحركة بالجزر الوسطية لأننا أقل وعياً من الشعوب المتقدمة, لكن هذه الحجة يدحضها الواقع فعند معظم تلك الشعوب يسمح بالقيادة للسكارى لحد معين و مع ذلك يتم تطبيق تلك الحلول عندهم بنجاح, و لو استخدم أحدنا برنامج القوقل إيرث لوجد أن عدد الجزر الوسطية بتبوك هو - رغم فارق الحجم - أضعاف ما هو موجود في لندن أو باريس. فهي منفذة عندنا حتى داخل الأحياء و قد يصل عرض الجزيرة إلى بلاطة واحدة في حي لا تتجاوز السرعة فيه 40 كم/ ساعة, و قد إضطرت الأمانة بإلحاح من المواطنين إلى إزالة تلك الجزر في بعض الأحياء, و هكذا يدفع الوطن ملايين في تنفيذ الأخطاء و ملايين أخرى في إزالتها.
تبوك تغير شخصيتها...
في خضم المشاريع الكثيرة و التي جعلت تبوك أشبه بورشة عمل كبيرة تمت إزالة بعض من أشهر معالمها ((Landmarks و من أهمها ميدان الدانة بنصبه المميز و دوار السنابل وقريباٌ دوار الله أكبر المجاور لمقر الإمارة, و تلك المعالم شكّلت لعقود شخصية المدينة و لا يكاد يخلو أي برنامج وثائقي أو تقرير مصور عن تبوك من تلك المعالم. و رغم أن إزالتها كانت ضرورية نظراً لمتطلباب التطوير إلا إن الحاجة برزت الآن لتقوية الشخصية المعمارية للمدينة و التي ضعفت بشدة بعد إزالة تلك المعالم, خصوصاً أنه لا يوجد معالم طبيعية كالبحر أو الجبال تعمل كمعلم أو حد (Edgge), و يمكن اعتبار خزان المياه المكتمل حديثاً محاولة جيدة في هذا المضمار لكنه غير كافٍ, أما الجامعة ببرجها الإداري الجميل فللأسف يقلل من مساهمته التي يضفيها على شخصية المدينة ما يتردد من تشابهه أو حتى تطابقه مع الأبراج الجامعية في مدن أخرى, و ليس ذلك خاص بالبرج الإداري فقط و إنما جميع منشآت الجامعة بما فيها السور, و هذا ما يفوّت على المدينة الإستفادة من جامعتها كمعلم معماري مميز.
إن ذلك يحتم على أمانة تبوك تصميم نُصب و تشكيلات ملفتة و معبرة عن المدينة و خصوصيتها لتعمل كمعالم معمارية تضفي شخصية مميزة لتبوك مستمدة من تراث و خصائص المنطقة.
م/ عبد الله أحمد الحويطي
قسم التقنية المدنية و المعمارية
الكلية التقنية بتبوك