كان فريد الأطرش يغني ويقول : الحياة حلوة ! . فصدّقت " الأطرش " ، وظننت أن الحياة ستكون أحلى في قابل الأيام .. لا بد وأنه كان سعيدا يتلذذ بطعم الحياة وحلاوتها . وفي أحد منعطفات العمر تذكرت " الفريد " .. وتذكرت أنني لم أره مبتسما .. وأنّ أغانيه مشحونة بالحزن ، ومواويله تجلب عليك الهمّ من الفرات إلى النيل .وأنّ الحلاوة التي يتغنى بها ما هي إلا سراب بقيعة . وفي إحدى الليالي كتبت بكائية وقمت بتلحينها ، وفيها " كنا وكانت الدنيا حلوة يوم كنّا " صغار " .. كانت حكاوينا تسبق خطاوينا " . ذلك كان مطلعها ، وهي طويلة .. وكنت حين يضيق صدري أترنّم بها لعلّها تخرج ما في جوفي من عوادم الهمّ .. لكني ذات مرّة توقفت ، وسألت نفسي كطفل يسأل ظلّه : لماذا كانت الدنيا حلوة حين كنا " صغار " ؟ .. ولماذا هي اليوم مرّة ؟ . نعم ، لقد كانت الدنيا حلوة يومئذ ، هكذا كنا نستطعمها ، وهي اليوم مرّة , أشعر بمرارتها وأنا أكتب هذا المقال .. لا بدّ وأنّ عندي اليوم من حلو المذاق أصنافا شتى .. أرخصها " حلاوة طحينية " ، هذا الرخيص الذي لم أذقه في سابق دهري حين كنت صغيرا ، ومع ذلك أقول : كنا وكانت الدنيا حلوة يوم كنا " صغار " ! . لماذا هي حلوة يوم كنا " صغار " ؟ لا بد وأنّ هناك شيئا ما جعلها حلوة .. ولا بد وأن جميع البشر يعزفون هذا اللّحن بشكل أو بآخر . ربما مات الذين هم أصدق مني في الجواب .. أولئك الذين تكبّدوا وتجرّعوا مرارة الحياة من أجل أن تكون دنيانا حلوة . مات من مات منهم يرحمهم الله تعالى . لكن ماذا عن الذين ما زالوا على قيد الحياة ، ينظرون إلينا وأعينهم تفيض من الدمع فرحا حينا بفرحنا ، وحزنا حين نتجاهلهم .. إنهم ما زالوا يتذكرون حين كانوا يدغدغوننا ليجبرونا على أن نعلن لهم عن سعادتنا.. تلك الأيادي التي كانت تمتد إلينا في كل حين . وتلك القلوب التي تنسى ألمها حين ترانا نتألم .
وكنا وكانت الدنيا حلوة يوم كنا " صغار " ! . كانت بالنسبة لنا حلوة .. وحلاوتها تكمن في أنّ همّنا كان على ظهر غيرنا .. هذا هو السرّ في حلاوتها .. تلك الظهور التي حملتنا وحملت همومنا وآلامنا ومشاكلنا .. وقد رحلت عنا وتركتنا نحمل أثقالنا .. ومن بقي منهم على قيد الحياة ، ربما لا يستطيع حمل نفسه ، وربما لا يجد من يخرجه إلى أشعة الشمس . أولئك آباؤنا وأمهاتنا . وهنا مشهد اجتمعت فيه براءة الطفولة والشيخوخة .. ذلك حين رأيت شيخا عجوزا وهو يقبل طفلا بحرارة ، ثم أمسك بكتفي الطفل وأخذ يهزه ويتأمله .. ربما قال في نفسه : لقد كنت في يوم من الأيام طفلا مثلك .. وربما ستكون في يوم من الأيام شيخا عجوزا مثلي .
لقد كبرنا وأصبحنا نشعر بالحياة ، وهي كما قيل : مأساة لمن يعرفها ، وملهاة لمن لا يعرفها . فأصحاب الضمائر الحية لا يمكن أن يتلذذوا بحلاوة الحياة وهم يرون البؤساء من حولهم .. فالسعادة الحقيقية هي أن تحس بأن كل من حولك سعداء كإحساس الأم بسعادة رضيعها . ربما تكون الحياة حلوة رغم متاعبها ، لكن حين نفهم معنى الحياة . وأجمل ما في هذه الحياة " العدالة " ، فهي الكفيلة بتحقيق سبل السعادة في دنيا البشر . حينها لن نجد محروما ولا مطرودا ولا مشردا ولا فقيرا ولا مظلوما . والسعادة تنبع من داخل الإنسان حين يشعر بأنه إنسان ، وأن البشر من حوله هم صورة طبق الأصل منه . وكم تؤلمنا مشاهد البؤس في هذا العالم وهي بالتأكيد نابعة من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان .. لقد ذهب الذين تقاتلوا على هذه الدنيا وبقيت الأرض بخيراتها كما هي . ولولا الطغاة الظلمة لعاش الناس بسلام وتهنّوا .
والسلام
وكنا وكانت الدنيا حلوة يوم كنا " صغار " ! . كانت بالنسبة لنا حلوة .. وحلاوتها تكمن في أنّ همّنا كان على ظهر غيرنا .. هذا هو السرّ في حلاوتها .. تلك الظهور التي حملتنا وحملت همومنا وآلامنا ومشاكلنا .. وقد رحلت عنا وتركتنا نحمل أثقالنا .. ومن بقي منهم على قيد الحياة ، ربما لا يستطيع حمل نفسه ، وربما لا يجد من يخرجه إلى أشعة الشمس . أولئك آباؤنا وأمهاتنا . وهنا مشهد اجتمعت فيه براءة الطفولة والشيخوخة .. ذلك حين رأيت شيخا عجوزا وهو يقبل طفلا بحرارة ، ثم أمسك بكتفي الطفل وأخذ يهزه ويتأمله .. ربما قال في نفسه : لقد كنت في يوم من الأيام طفلا مثلك .. وربما ستكون في يوم من الأيام شيخا عجوزا مثلي .
لقد كبرنا وأصبحنا نشعر بالحياة ، وهي كما قيل : مأساة لمن يعرفها ، وملهاة لمن لا يعرفها . فأصحاب الضمائر الحية لا يمكن أن يتلذذوا بحلاوة الحياة وهم يرون البؤساء من حولهم .. فالسعادة الحقيقية هي أن تحس بأن كل من حولك سعداء كإحساس الأم بسعادة رضيعها . ربما تكون الحياة حلوة رغم متاعبها ، لكن حين نفهم معنى الحياة . وأجمل ما في هذه الحياة " العدالة " ، فهي الكفيلة بتحقيق سبل السعادة في دنيا البشر . حينها لن نجد محروما ولا مطرودا ولا مشردا ولا فقيرا ولا مظلوما . والسعادة تنبع من داخل الإنسان حين يشعر بأنه إنسان ، وأن البشر من حوله هم صورة طبق الأصل منه . وكم تؤلمنا مشاهد البؤس في هذا العالم وهي بالتأكيد نابعة من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان .. لقد ذهب الذين تقاتلوا على هذه الدنيا وبقيت الأرض بخيراتها كما هي . ولولا الطغاة الظلمة لعاش الناس بسلام وتهنّوا .
والسلام