يقولون : العلم يمكّننا من صنع الدواء ، وصنع السّلاح ، لكنّ الحكمة تجعلنا نعرف متى نداوي ، ومتى نحارب . وبعد :
فحين انسحب السوفيت من أفغانستان كتبت مقالا في جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان " أفغانستان .. هل تضيع ثمرة الجهاد ؟ " وقد حدث ما توقعته في ذلك المقال وضاعت الثمرة ودمّرت الشجرة . فأصبحت أفغانستان ساحة قتال بين رفاق السلاح . وخطأ الأفغان أنهم لم يكونوا تحت راية واحدة ، بل كانوا تحت رايات زعماء الحرب ، والكلّ له غايتة ، وعمّتة وخالته .. ربما هكذا أرادوا ، أو أريد لهم . وهنا الكارثة .
كانت جبهة أفغانستان الطريق إلى الجنّة وكان صوت " حي على الجهاد " يطرب مسامع العالم ما عدا المتحالفين مع السوفيت . فالحرب التي يخوضها الأفغان ومن شايعهم ضد الشيوعية تصب في صالح دنيا الغرب .. فكان الدعم سخيا حتى أن أمريكا تشحن للمجاهدين البغال والحمير من " قبرص " . ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن المجاهدين هناك قد تربوا في أحضان العمة " أمريكا " وتحت نظرها ، وهي التي كانت تقوم بتدريبهم في معسكرات في بعض دول أوروبا . بل أن " كارتر " زار جبهة القتال هناك !
ليس الحديث هنا عن تاريخ بل عن عبرة من هذا التاريخ ، وهو أن المسلمين في أغلب عصورهم تحكمهم العواطف فتغيب عنهم الحكمة . فهل كان الأفغان بحاجة إلى شلة مقاتلين ؟ .. أم أنهم كانوا قادرين على الدفاع عن وطنهم حتى ولو طال بهم الزمن ؟ . ربما جاءت الحكمة على لسان البروفيسور " عبد رب الرسول سياف " أحد قادة الجهاد حيث وقف قائلا في أحد المؤتمرات الإسلامية : نحن لسنا بحاجة إلى رجال ولكن بحاجة إلى مال وسلاح . فأفغانستان فيها من الرجال ما يكفي . ومع ذلك كان المجاهدون يتوافدون من كل مكان ، وربما شكّلوا عبئا على أصحاب الأرض ، وكانوا في النهاية العلة التي لا شفاء منها . وبحجة الحرب على " الإرهاب " احتلت أفغانستان . تلك الجنة التي حولها الأمريكيون إلى جهنم .. وما فعلوه في مذبحة قلعة جانجي بمزار شريف في حق المعتقلين والذي وصفته صحيفة " لوفيغارو " بأنه مشهد من يوم القيامة - دليل على تلك الوحشية وتحت نظر الأمم المتحدة والصليب الدولي وحقوق الإنسان .
لم ينته درس أفغانستان والحبل على الجرار دون أن نأخذ العبرة .. فجاء درس العراق .. وكأن العراق الذي يحوي أكثر من مليون جندي بحاجة إلى مساندة من ثلاثة أتوبيسات محملة بالغلابا من لبنان وخمسة أتوبيسات من مصر ، أو هو بحاجة لعدة أشخاص من هنا وهناك من أمثال أبي مصعب الزرقاوي .. لقد تم تصوير مشهد الباصات وبثه عبر محطات الفضاء لكي يرى العالم ويصدق بأن الإرهابيين وصلوا إلى العراق . لكن لم نر - من خلال عين الكاميرا - مجاهدين ، بل رأينا قاطعي رؤوس . إنها المصيدة التي وقعنا فيها مرة أخرى . فهل حررت تلك الزمرة العراق أم أنها زادته ويلا على ويل ؟ الويل لكم إن لم تفقهوا الدرس !. وها هو الدرس المؤلم والبشع يتكرر في سوريا .. وبحجة الارهاب تم طحن الشعب السوري .. فهل كان السوريون بحاجة إلى مجاهد قادم من موسكو ليلتقم الميكرفون ويتحدث عن جهاد أمام الكاميرات الفضائية .. هل كان الشعب السوري بحاجة إلى ما يسمى " جبهة النصرة " ؟ . وبحجة الارهاب يبقى النظام ، ولو أحرق الشعب كله . لقد ارتكب هؤلاء جريمة في حق تلك الشعوب حتى وإن كان المقصد حسنا لبعضهم وسيئا لقاطعي الرؤوس . وبحجة الارهاب أحتلت أوطان وهتكت أعراض وقتلت أنفس وشردت نساء وأطفال . فهل أصبحنا عاجزين عن حماية أوطاننا من هؤلاء الشراذم الذين يريدون أن يحلونا دار البوار .
لقد شاخ في ذاكرة العالم " تنظيم القاعدة " وهرم ، واستهلكت قواعد لعبته بما يكفي .. ولا بد من تجديد دماء الإرهاب لكي يبقى حيا في جسد أمة توشك على الهلاك ، فكان ما يسمى تنظيم " داعش " الغبرا . وهناك من يطبل ويزمر لما يسمى " الحرب على الإرهاب " والحق أنها ليست حربا على تلك الجرذان . ومن ينظر إلى خارطة الوطن العربي وما يحدث فيه يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن ما يسمى الحرب على الارهاب إنما هي ورقة تلعب بها جهات أجنبية لتحقيق مصالح إستراتيجية يمهد لها من غابت عنهم الحكمة من أبناء الأمة .. لا بد وأن ندرك أن من يستعدي ويجلب علينا العدو ويحقق مطامعه ونحن في حالة ضعف - بأنه هو العدو ، حتى وإن كان مقصده حسنا .. فحسن النيّة لا يبرر الفعل الذي يترتب عليه ضياع الأوطان .
وفي غياب الحكمة نجحت اللعبة ولا زالت الورقة في يد اللاعبين . فمن ضرب الدولة بالدولة إلى تأجيج الصراع المذهبي والقبلي إلى تأجيج الصراع الحزبي كما هو حاصل بين الاسلاميين والليبراليين . فأين المفر ؟! . بل أين الحكماء ؟
مازال تنظيم القاعدة يسرح ويمرح رغم الحرب على الارهاب وستبقى " داعش " حية ترزق ، وسيظهر " داحس " ، وزعيط ومعيط ونطاط الحيط ، وكل الذين لا يهمهم وطن ولا أمة .. المهم أن يظهر أحدهم أمام الكاميرا بصورة " مجاهد " مدجج بسلاح متطوّرهبط عليه من السماء !.. وهناك النفعيّون أصحاب المصالح الذين لا كرامة لهم . أولئك الحراميّة الذين سرقوا الشعوب وهم على استعداد أن يبيعوا الشعب والوطن برغيف خبز .
وبحجة " الارهاب " تبدو الصورة جلية وأنه سيأتي يوم لا مجال فيه للدفاع عن أوطان ولا كرامة .. ويصبح هناك حق لمن لا حق له في أن يتدخل . وماذا بعد أن أصبحت الأوطان مسرحا للتدخلات الأجنبية ؟ . فأين هي الثقة في ذاتنا كأمة ؟ . إن الذين يزعمون أنهم يحاربون الإرهاب هم من يزرع الإرهاب . والدفاع عن الوطن حق لا يمكن لأحد أن يسلبه مهما بلغت سطوته .وأنّ نصرة ومساندة المقهورين والمظلومين واجبة على المجتمع الدولي الذي يتشدق بحقوق الإنسان . ولا بد وأن يتحرك العقلاء ويأخذوا على يد كل سفيه يريد أن يعبث بمستقبلنا ويضعنا تحت رحمة أعدائنا . يكفي خراب ودمار لهذه الأمة . وعلى العلماء الذين يقفون اليوم في الصف الأخير أن يتحركوا ، لأننا نرى كارثة ترمي بشرر ، ولن يسلم منها أحد . ولعل ما تعرض له إخواننا في سلاح حرس الحدود من جريمة نكراء آثمة يجعلنا أكثر وعيا بما يحاك ضدنا . لقد أصبحنا اليوم والحديث عن أمة في حال يرثى لها .. فهناك زعيم بلا شعب ، لأنه يقتل الشعب .. وهناك شعب بلا زعيم ، لأن الكل يريد أن يصبح زعيم الشعب !
فيا أيها العقلاء ويا أيها الحكماء ويا أيها العلماء ويا أيها المخلصون في كل مكان أوقفوا هذه المهزلة . وإلى زعران الإسلاميين والليبراليين كفاكم شحنا .
والسلام
فحين انسحب السوفيت من أفغانستان كتبت مقالا في جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان " أفغانستان .. هل تضيع ثمرة الجهاد ؟ " وقد حدث ما توقعته في ذلك المقال وضاعت الثمرة ودمّرت الشجرة . فأصبحت أفغانستان ساحة قتال بين رفاق السلاح . وخطأ الأفغان أنهم لم يكونوا تحت راية واحدة ، بل كانوا تحت رايات زعماء الحرب ، والكلّ له غايتة ، وعمّتة وخالته .. ربما هكذا أرادوا ، أو أريد لهم . وهنا الكارثة .
كانت جبهة أفغانستان الطريق إلى الجنّة وكان صوت " حي على الجهاد " يطرب مسامع العالم ما عدا المتحالفين مع السوفيت . فالحرب التي يخوضها الأفغان ومن شايعهم ضد الشيوعية تصب في صالح دنيا الغرب .. فكان الدعم سخيا حتى أن أمريكا تشحن للمجاهدين البغال والحمير من " قبرص " . ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن المجاهدين هناك قد تربوا في أحضان العمة " أمريكا " وتحت نظرها ، وهي التي كانت تقوم بتدريبهم في معسكرات في بعض دول أوروبا . بل أن " كارتر " زار جبهة القتال هناك !
ليس الحديث هنا عن تاريخ بل عن عبرة من هذا التاريخ ، وهو أن المسلمين في أغلب عصورهم تحكمهم العواطف فتغيب عنهم الحكمة . فهل كان الأفغان بحاجة إلى شلة مقاتلين ؟ .. أم أنهم كانوا قادرين على الدفاع عن وطنهم حتى ولو طال بهم الزمن ؟ . ربما جاءت الحكمة على لسان البروفيسور " عبد رب الرسول سياف " أحد قادة الجهاد حيث وقف قائلا في أحد المؤتمرات الإسلامية : نحن لسنا بحاجة إلى رجال ولكن بحاجة إلى مال وسلاح . فأفغانستان فيها من الرجال ما يكفي . ومع ذلك كان المجاهدون يتوافدون من كل مكان ، وربما شكّلوا عبئا على أصحاب الأرض ، وكانوا في النهاية العلة التي لا شفاء منها . وبحجة الحرب على " الإرهاب " احتلت أفغانستان . تلك الجنة التي حولها الأمريكيون إلى جهنم .. وما فعلوه في مذبحة قلعة جانجي بمزار شريف في حق المعتقلين والذي وصفته صحيفة " لوفيغارو " بأنه مشهد من يوم القيامة - دليل على تلك الوحشية وتحت نظر الأمم المتحدة والصليب الدولي وحقوق الإنسان .
لم ينته درس أفغانستان والحبل على الجرار دون أن نأخذ العبرة .. فجاء درس العراق .. وكأن العراق الذي يحوي أكثر من مليون جندي بحاجة إلى مساندة من ثلاثة أتوبيسات محملة بالغلابا من لبنان وخمسة أتوبيسات من مصر ، أو هو بحاجة لعدة أشخاص من هنا وهناك من أمثال أبي مصعب الزرقاوي .. لقد تم تصوير مشهد الباصات وبثه عبر محطات الفضاء لكي يرى العالم ويصدق بأن الإرهابيين وصلوا إلى العراق . لكن لم نر - من خلال عين الكاميرا - مجاهدين ، بل رأينا قاطعي رؤوس . إنها المصيدة التي وقعنا فيها مرة أخرى . فهل حررت تلك الزمرة العراق أم أنها زادته ويلا على ويل ؟ الويل لكم إن لم تفقهوا الدرس !. وها هو الدرس المؤلم والبشع يتكرر في سوريا .. وبحجة الارهاب تم طحن الشعب السوري .. فهل كان السوريون بحاجة إلى مجاهد قادم من موسكو ليلتقم الميكرفون ويتحدث عن جهاد أمام الكاميرات الفضائية .. هل كان الشعب السوري بحاجة إلى ما يسمى " جبهة النصرة " ؟ . وبحجة الارهاب يبقى النظام ، ولو أحرق الشعب كله . لقد ارتكب هؤلاء جريمة في حق تلك الشعوب حتى وإن كان المقصد حسنا لبعضهم وسيئا لقاطعي الرؤوس . وبحجة الارهاب أحتلت أوطان وهتكت أعراض وقتلت أنفس وشردت نساء وأطفال . فهل أصبحنا عاجزين عن حماية أوطاننا من هؤلاء الشراذم الذين يريدون أن يحلونا دار البوار .
لقد شاخ في ذاكرة العالم " تنظيم القاعدة " وهرم ، واستهلكت قواعد لعبته بما يكفي .. ولا بد من تجديد دماء الإرهاب لكي يبقى حيا في جسد أمة توشك على الهلاك ، فكان ما يسمى تنظيم " داعش " الغبرا . وهناك من يطبل ويزمر لما يسمى " الحرب على الإرهاب " والحق أنها ليست حربا على تلك الجرذان . ومن ينظر إلى خارطة الوطن العربي وما يحدث فيه يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن ما يسمى الحرب على الارهاب إنما هي ورقة تلعب بها جهات أجنبية لتحقيق مصالح إستراتيجية يمهد لها من غابت عنهم الحكمة من أبناء الأمة .. لا بد وأن ندرك أن من يستعدي ويجلب علينا العدو ويحقق مطامعه ونحن في حالة ضعف - بأنه هو العدو ، حتى وإن كان مقصده حسنا .. فحسن النيّة لا يبرر الفعل الذي يترتب عليه ضياع الأوطان .
وفي غياب الحكمة نجحت اللعبة ولا زالت الورقة في يد اللاعبين . فمن ضرب الدولة بالدولة إلى تأجيج الصراع المذهبي والقبلي إلى تأجيج الصراع الحزبي كما هو حاصل بين الاسلاميين والليبراليين . فأين المفر ؟! . بل أين الحكماء ؟
مازال تنظيم القاعدة يسرح ويمرح رغم الحرب على الارهاب وستبقى " داعش " حية ترزق ، وسيظهر " داحس " ، وزعيط ومعيط ونطاط الحيط ، وكل الذين لا يهمهم وطن ولا أمة .. المهم أن يظهر أحدهم أمام الكاميرا بصورة " مجاهد " مدجج بسلاح متطوّرهبط عليه من السماء !.. وهناك النفعيّون أصحاب المصالح الذين لا كرامة لهم . أولئك الحراميّة الذين سرقوا الشعوب وهم على استعداد أن يبيعوا الشعب والوطن برغيف خبز .
وبحجة " الارهاب " تبدو الصورة جلية وأنه سيأتي يوم لا مجال فيه للدفاع عن أوطان ولا كرامة .. ويصبح هناك حق لمن لا حق له في أن يتدخل . وماذا بعد أن أصبحت الأوطان مسرحا للتدخلات الأجنبية ؟ . فأين هي الثقة في ذاتنا كأمة ؟ . إن الذين يزعمون أنهم يحاربون الإرهاب هم من يزرع الإرهاب . والدفاع عن الوطن حق لا يمكن لأحد أن يسلبه مهما بلغت سطوته .وأنّ نصرة ومساندة المقهورين والمظلومين واجبة على المجتمع الدولي الذي يتشدق بحقوق الإنسان . ولا بد وأن يتحرك العقلاء ويأخذوا على يد كل سفيه يريد أن يعبث بمستقبلنا ويضعنا تحت رحمة أعدائنا . يكفي خراب ودمار لهذه الأمة . وعلى العلماء الذين يقفون اليوم في الصف الأخير أن يتحركوا ، لأننا نرى كارثة ترمي بشرر ، ولن يسلم منها أحد . ولعل ما تعرض له إخواننا في سلاح حرس الحدود من جريمة نكراء آثمة يجعلنا أكثر وعيا بما يحاك ضدنا . لقد أصبحنا اليوم والحديث عن أمة في حال يرثى لها .. فهناك زعيم بلا شعب ، لأنه يقتل الشعب .. وهناك شعب بلا زعيم ، لأن الكل يريد أن يصبح زعيم الشعب !
فيا أيها العقلاء ويا أيها الحكماء ويا أيها العلماء ويا أيها المخلصون في كل مكان أوقفوا هذه المهزلة . وإلى زعران الإسلاميين والليبراليين كفاكم شحنا .
والسلام