كان بيت " جدعان " المكان الذي يجتمع فيه الرّبع أكثر الأوقات .. فهو الشخص الوحيد الذي يملك جهاز مذياع " راديو " . وقد أكسبه ذلك الجهاز مكانة مرموقة ، فكان وكالة أنباء العرب أقصد مجموع بيوتات الشعر المتناثرة هنا وهناك وكثيرا ما يختلط صوت دقّات " بق بن " بصوت دقّات النّجر ، فلا تدري إن كان جدعان هو من سيقرأ نشرة الأخبار ، أم هدى رشيد المدفعي . وقد رأيته ذات نشرة وهو يضرب كفا بكف ، ولا أدري على ماذا يتحسّر !
ومن خلال وكالة أنباء جدعان عرفت أن أناسا قد صعدوا إلى القمر .. وبما أني كنت أصدق أساطير جدتي ، فلا بد وأن أصدق رواية جدعان الثبت الثقة .. لذلك كنت أراقب القمر في لياليه البدريّة لعلي أرى أولئك البشر وهم يمشون على ظهر القمر ، وفي رأسي الصغير سؤال كبير يعجز جدعان وربعه أن يجيبوا عليه : كيف ؟ .. وقد بقي هذا الكيف معلقا في مخيلتي حتى عرفت لاحقا الفرق ما بين سفينة الصحراء وسفينة الفضاء .
كانت عقولنا صغيرة ، لكن أحلامنا كبيرة .. ربما كان جدعان يضحك علينا في أحيان ، ونضحك عليه في أحيان كثيرة .. فقد طلب منه أحد الأولاد ذات يوم أن يعطيه المذياع ، فقال له : حين تلد أعطيك أحد أولادها ! فخرج الولد فرحا بذلك النبأ وأشاع الخبر بيننا .. وكنا نعتقد أنّ جدعان سيكون لديه قطيعا من الراديوهات ، وقد يعطي كل واحد منا منوحة ، كعادة البدو في ذلك الزمان . كيف لا نصدّق ونحن نرى الأشياء تولد من حولنا ؟!
لم تلد راديو جدعان ، لكن تولّدت في رؤوسنا أفكار جديدة لم ترق أبدا للكابتن جدعان المحترف في لعبة الشيزة ( السيجة ) . فقد ألقت علينا ريح الحضارة بشيء من صداها ، فكنا نجمع علب الحليب ونصنع منه سيارات كتلك التي شاهدناها أول مرة . ومع مرور الوقت كنا نتفنن في صناعتها . ربما أدرك جدعان مبكرا أن تلك العجلات ستقودنا إلى طريق آخر . وقد يجد نفسه في يوم من الأيام يبحث عن راع فلا يجده .. لقد كان ذكيا حين أشار على أبي أن يسميني رويعي ( إسم ووظيفة ) لكن والدي رفض فكان اسمي المنحوت من الشتاء .. وكأنهم يشترون الأسماء من صاغة الذهب !. وقد ذهب جدعان في مهمة رسمية ونسي المذياع فعاث الأطفال فيه فسادا ليعرفوا كيف يتكلم !. وحين فتحوا بطنه سقطت البطاريات فصمت المذياع ، وظنوا أن راديو جدعان قد مات !.
عاد جدعان من مهمته وأخذ يجهز بيته لمؤتمر طارىء .. فجاء الرّبع من المشارق والمغارب وكان بيت الشّعر مشرعا بحيث نرى ونسمع .. وكانت الأصوات تتعالى ، مما يعني أن لا وفاق ولا اتفاق .. وكان هناك حمار مربوطا بوتد خلف البيت ، وكان يكثر من النهيق . هل كان يعترض على أحد القرارات ؟ لم تفلح نداءات جدعان في إسكات الحمار . ربما أدرك الحمار أنه سيكون مطية لأحد أعضاء الوفد بعد انتهاء المؤتمر ، وقد كان . وكان جدعان غاضبا منا نحن الأولاد أكثر من غضبه على الحمار ، لما سببنا له من إزعاج فيما يسميها " قراقيع " تلك التي قرقعت مخّه وشتّت فكره وتركيزه ، فلحق بنا وأخذ تلك القراقيع فحطّمها ، وعاد ليكمل ما تبقى من أشواط دوري " الشيزة " !
والسلام
ومن خلال وكالة أنباء جدعان عرفت أن أناسا قد صعدوا إلى القمر .. وبما أني كنت أصدق أساطير جدتي ، فلا بد وأن أصدق رواية جدعان الثبت الثقة .. لذلك كنت أراقب القمر في لياليه البدريّة لعلي أرى أولئك البشر وهم يمشون على ظهر القمر ، وفي رأسي الصغير سؤال كبير يعجز جدعان وربعه أن يجيبوا عليه : كيف ؟ .. وقد بقي هذا الكيف معلقا في مخيلتي حتى عرفت لاحقا الفرق ما بين سفينة الصحراء وسفينة الفضاء .
كانت عقولنا صغيرة ، لكن أحلامنا كبيرة .. ربما كان جدعان يضحك علينا في أحيان ، ونضحك عليه في أحيان كثيرة .. فقد طلب منه أحد الأولاد ذات يوم أن يعطيه المذياع ، فقال له : حين تلد أعطيك أحد أولادها ! فخرج الولد فرحا بذلك النبأ وأشاع الخبر بيننا .. وكنا نعتقد أنّ جدعان سيكون لديه قطيعا من الراديوهات ، وقد يعطي كل واحد منا منوحة ، كعادة البدو في ذلك الزمان . كيف لا نصدّق ونحن نرى الأشياء تولد من حولنا ؟!
لم تلد راديو جدعان ، لكن تولّدت في رؤوسنا أفكار جديدة لم ترق أبدا للكابتن جدعان المحترف في لعبة الشيزة ( السيجة ) . فقد ألقت علينا ريح الحضارة بشيء من صداها ، فكنا نجمع علب الحليب ونصنع منه سيارات كتلك التي شاهدناها أول مرة . ومع مرور الوقت كنا نتفنن في صناعتها . ربما أدرك جدعان مبكرا أن تلك العجلات ستقودنا إلى طريق آخر . وقد يجد نفسه في يوم من الأيام يبحث عن راع فلا يجده .. لقد كان ذكيا حين أشار على أبي أن يسميني رويعي ( إسم ووظيفة ) لكن والدي رفض فكان اسمي المنحوت من الشتاء .. وكأنهم يشترون الأسماء من صاغة الذهب !. وقد ذهب جدعان في مهمة رسمية ونسي المذياع فعاث الأطفال فيه فسادا ليعرفوا كيف يتكلم !. وحين فتحوا بطنه سقطت البطاريات فصمت المذياع ، وظنوا أن راديو جدعان قد مات !.
عاد جدعان من مهمته وأخذ يجهز بيته لمؤتمر طارىء .. فجاء الرّبع من المشارق والمغارب وكان بيت الشّعر مشرعا بحيث نرى ونسمع .. وكانت الأصوات تتعالى ، مما يعني أن لا وفاق ولا اتفاق .. وكان هناك حمار مربوطا بوتد خلف البيت ، وكان يكثر من النهيق . هل كان يعترض على أحد القرارات ؟ لم تفلح نداءات جدعان في إسكات الحمار . ربما أدرك الحمار أنه سيكون مطية لأحد أعضاء الوفد بعد انتهاء المؤتمر ، وقد كان . وكان جدعان غاضبا منا نحن الأولاد أكثر من غضبه على الحمار ، لما سببنا له من إزعاج فيما يسميها " قراقيع " تلك التي قرقعت مخّه وشتّت فكره وتركيزه ، فلحق بنا وأخذ تلك القراقيع فحطّمها ، وعاد ليكمل ما تبقى من أشواط دوري " الشيزة " !
والسلام