×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور نويجع العطوي

نعمة الأمن
الدكتور نويجع العطوي

نعمة الأمن .. وما أدراكم ما نعمة الأمن التي كانت أولَ دعوةٍ لأبينا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، حينما قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وارزق أهله من الثمرات) .. فقدّم إبراهيم نعمة الأمن ، على نعمة الطعام والغذاء ، لعظمها وخطر زوالها . و والله وتالله إن أشهى المأكولات ، وأطيبَ الثمرات ، لا تُستساغ مع ذهابِ الأمن ونزولِ الخوف والهلع ذلكم أنه لا غناء لمخلوق عن الأمن ، مهما عز في الأرض، أو كسب مالاً أو شرفاً أو رفعة.
إن نعمة الأمن ، هي منة الله على هذه الأمة المباركة المرحومة ، قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ )، وقال عز وجل: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ويتخطف الناس من حولهم).
إن نعمة الأمن ، تشكل مع العافية والرزق ، الملكَ الحقيقيَ للدنيا .. فعن عبيد الله بن محصنٍ الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) . رواه الترمذي وابن ماجه بسند حسن
في رحاب الأمن ، يأمنُ الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم .. وفي ظلال الأمن ، يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله ...
لو انفرط عقد الأمن ساعة لعمة الفوضى وتعطلت المصالح وكثر الهرج وتأملو فيمن حولكم من البلاد وماهي منا ببعيد؟
ثم تأملو لطف الله بعباده حيث قال: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين: فقال سبحانه بشيء من الخوف فكيف لو ابتلانا الله بالخوف كله، وهذا من رحمة الله بعباده.
فلا بد أن ندرك أن نعمة الأمن لا توجد إلا بوجود مقوماتها ، ولا تدوم إلا بدوام أسبابها ، ، ومن أهمها: توحيد الله عزَّ وجلَّ وإقامة الشعائر التعبدية كالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الطاعات والعبادات ولذا قرن الله سبحانه الأمن بالتوحيد قال تعالى: ( {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) [إبراهيم : 35] .
فلا بد من تربية الأمة على طاعة الله والاستقامة على شرعه والبعد عن معصيته والأمن والإيمان قرينان ، فلا يتحقق الأمن إلا بالإيمان .. قال تعالى : (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.واحسن من قال:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمـــن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جــعل الفناء لها قرينـا

وإذا تخلى أبناء المجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم أحاطت بهم المخاوف ، وانتشرت بينهم الجرائم ، وانهدم جدار الأمن وادلهم ظلام الخوف والقلق وهذه هي سنة الله التي لا تتخلف في خلقه قال تعالى : ( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الخوف والجوع بما كانوا يصنعون.
إن الأمن الذي نعيشه و نتفيؤ ظلاله ، إنما هو منحة ربانية ، ومنة إلهية ، مربوطة بأسبابها ومقوماتها ، والتي من أعظمها ، إقامة شرع الله ، وتنفيذ حدوده ، وتحقيق عقيدة التوحيد ومناصرتها والدعوة إليها. قال تعالى : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.
وعلى قَـدْر حرص الناس يكون لهم الأمن من الله والأمان وعلى قدر تفريطهم يحل عليهم العذاب والهوان من الله عز وجل.
ومن أسباب الامن الإيمان بأهمية الولاية وتعبد الله سبحانه وتعالى بطاعة الوالي، والاجتماع على ذلك إذ به يتوحد مصدر الأمر والنهي ورعاية المصالح، ومعالجة الأخطاء، ومقاومة الفساد والجريمة، ولذا شدد الإسلام على أهمية مراعاة ذلك والعمل به كما جاء في حديث الصحيح: «من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصى الأمير فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله»
ومن اسباب الأمن: أهمية إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بآدابها الشرعية ووسائلها المرعية القائمة على إشاعة المعروف وإظهاره وإزالة المنكر وتخفيفه، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الآمان وقدقال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "
ومن أسباب الأمن: إقامة حدود الله في الأرض، ومعاقبة المفسدين بما تقتضي به الشريعة كل بحسب جرمه وجنايته كما هو مقرر في شأن الحدود والقصاص والتعزيرات قال تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ) [البقرة179]
وقاسبحانه:إنما جزاء الذين يحاريون الله ورسوله ويسعونافي الأرض فسادا.أن يقتلوا أوصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ومن أسباب الأمن التربية الصحيحة القائمة على كتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه التربية تحد من جرائم القتل والسرقة .......
أسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يرد كيد الكائدين وعدوان المعتدين، إنه سميع مجيب.
بواسطة : الدكتور نويجع العطوي
 13  0