وبما أنّ الهذر أصبح من شيم هذا العصر , لذلك كثرت الأماسي الشّعرية والتباسي النّقديّة . وقد تجاوز الأمر حدّ الشّعور وبلغ قمّة الإنشعار . حيث نجد البعض من الشعراء مثل الدجاج البياض , يقرقر أحدهم بالكلام ثم يفرّخ في آخر الشهر " ديوان " ليس له من الأدب " صيوان " , ليكون هذا الفرخ في حضانة الناقد الكبير , الخبير في شئون فقّاسات التفريخ . فجلّ ما نسمعه ونقرأه اليوم ليس قوافي شعريّة , بل لوثة عقليّة , لا تتطابق مع مواصفات ومقاييس الجودة الشعريّة , يصفق لها جمهور أبله , لا يعرف من فنون الأدب غير التّصفيق لهذا التّلفيق .. وهم يحسبون كل صيحة عليهم " قصيدة " . وقد مارست وسائل السّح والدّح الترويج لأولئك المشعورين في رؤوسهم , وأضفت عليهم صبغة " الشاعرية " وما كانوا أهلا لها . هذا وقد أقيمت مؤخرا أمسية شعريّة أحيتها شاعرة عربية في فندق خمس نجوم , حضرها جمع غفير من متذوقي ومتذوقات البهارات .. فوصف أهل التطبيل والتهويل أن ما جادت به قريحة الشاعرة كان انتصارا للمرأة العربية من المحيط إلى الخليج ! . وحين نظرت في النصر المبين وجدته سوالف حريم . لكن الشاعرة من ذوات المناصب , ولا بد للمنصب أن يفرض نفسه على أكف الحاضرين .. ولو أن تلك المستشعرة من طبقة الصعاليك الذين ينشرون شعرهم على الحيطان , لما صفق لها إنسان . ولا بد للمنصب أن يفرض نفسه على الفراهيدي وسيبويه , ذلك حين تكثر الأذناب اللولبية التي تجيد فن القفز في الهواء وإقناع البشر بأن ذاك الهراء هو عين الشعر . فالثرثرة التي كانت تعد نقيصة في زمن " إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب " أصبحت تلقى آذانا صاغية ومطابع تفرّخ لكل ما هبّ ودبّ , فيما يسمى " مجاملة تحت الحساب " وعلى حساب الذوق الرفيع . ومن هنا وبسبب فقدان حاسة التذوق الأدبي وغياب النقد المتجرد فقد أصبحت " قلة الأدب " سمة بارزة في ثقافتنا العربية المعاصرة . وتلك غاية أصحاب البنيويّة والتركيبيّة والسّمكريّة .
والسلام
والسلام