بعد مشاهدتي لنشرة إخبارية مثقلة بالمواجع تأبطت حزني وتذكرت " كوكب الشرق " , فهزني الشوق بعد طول انقطاع لسماع آهاتها التي طالما أقضت مضجعي ومضاجع أهل الشرق . فلا بأس أن أزيد في ساعات سهري ما دامت الأمة تسير وفق نظرية " فما أطال النوم عمرا .. ولا قصر في الأعمار طول السهر " . والشيء الذي تغير في نفسي مع دورة الليالي والأيام أنني أصبحت " عصي الدمع " , حتى أنني بدأت أشك في صدق مشاعري .. فلا " أنت عمري " ولا " الحب كده " حركتا شيئا من سواكني . تذكرت أن بيني وبين " أغدا ألقاك " سنين طوال عجاف . و " لسه فاكر " ما كان يقوله العرب وأن أصغر واحد فيهم - يخيل لي أنه يهز الدنيا .. فكان ذلك صرحا من خيال فهوى .
والحق أنه ليس في الطرب حكمة إلا ما ندر .. بل هو نكبة حين يكون زاد الأمة على مدار الساعة . والحكمة ضالة عن العرب . فالكل يرى نفسه حكيم زمانه .
لقد تجاوز الطرب بنا حدود المنطق .. وكان الحافز على ذلك تخفيف المعاناة ومحاولة نسيان تبعات السقوط الناشئة عن تكلس الفكر في زمن الانهزامية والانكسار .. لذلك نشطت الحركة الفنية بكل أشكالها لقلب الهيكلة وإعادة التأهيل في حركة سريعة ظن أصحابها أن اللحاق بالركب يبدأ من هنا . وفي غياب الحظ واستراتيجية الوعي العربي أصبح ما تتقاضاه مطربة شقراء أضعاف ما يتقاضاه عالم باحث في سنة سوداء , أو جندي مجهول يقف مستعدا على خطوط النار . وهذا الكلام لن يغير من واقع " الموّال " ما دام الإنسان العربي يفكر بعواطفه . وبما أني في موقع " شاهد ما شافش حاجة " لذلك سأكتفي بقول نصري شمس الدين " هزي هالطربوش " تاركا بعض الناس يهزون ملابسهم , ومن كان منهم عريا من متاع الدنيا فعليه بنفض الشعر , وعلى الأخوة الصلعان أمثالي أن يضربوا رؤوسهم بالجدران تعبيرا عن النشوة العربية .
وبما أن " قديمك نديمك " .. فإني أرى أن الطرب العربي القديم كان أفضل حالا وحله , يأخذ بمجامع القلب فتتحرك فيه الآهات والأشجان وتذرف عبرات الواجدين على الأحباب . لذلك أقول بأن فيروز وأم كلثوم من الحناجر التي كانت تعرف تتكلم عربي . فكانت فيروز مطربة الصباح , وكانت أم كلثوم مطربة الليل . فمع كل إشراقة شمس حالمة كانت فيروز تبعث الأمل في النفوس .. حيث تغني للفجرية وشقشقة العصافير وحبات المطر والصيف والشتوية , وتدق أجراس العودة لمن يحلم بالعودة إلى أرض " أوعدك " . وحين يأتي المساء يذهب بكل أحلام فيروز , لتحمل " كوكب الشرق " هموم الشرق , فتكشف لكل التعساء حجب الحقيقة في إيقاعات وآهات تكاد تتكسر من زفراتها ضلوع البائسين .
وفي ذلك الزمن كان " عبدالوهاب " يقف على مفترق طرق ويقول " يا وابور قلي رايح على فين ؟ " .. وفي غياب التراحم كانت فيروز تنادي هناك " زوروني كل سنة مرة " .. لذلك ركب فريد الأطرش بساط الريح لرأب الصدع .. فكانت فايزة أحمد تتساءل : مين الغلطان .. مين الزعلان .. مين اللي كان الحق عليه ؟ . لكن عبدالحليم حافظ يلقي باللائمة على الزمن " قال إيه جاي الزمان يداوينا " . وفي غياب الحقيقة كانت فايزة أحمد تقول " إسألها أنت وحلفها .. على طول حتقولك هية ".
هذا وقد لعب الطرب دورا في معركة المصير .. فكان الصوت يسبق الصوت , حتى توهم البعض أن الحظ الأقشر قد قطع خط غرينتش غربا . فكانت نجاة الصغيرة تكشف خداع العاشقين فتقول " كفاك تلعب دور العاشقين معي " . فتأتي أم كلثوم لتختم المشهد بقولها " تايهين محناش حاسين " !
وبعد كل هذا العناء والغناء ماذا عساي أقول " على الطّرب دوّر أم على العرب دوّر " ؟!.
عظم الله أجرنا في الجامعة العربية .. وفي أمة أصبح أعلى ما في خيلها " أغنية " .
دمتم في رعاية الله
والحق أنه ليس في الطرب حكمة إلا ما ندر .. بل هو نكبة حين يكون زاد الأمة على مدار الساعة . والحكمة ضالة عن العرب . فالكل يرى نفسه حكيم زمانه .
لقد تجاوز الطرب بنا حدود المنطق .. وكان الحافز على ذلك تخفيف المعاناة ومحاولة نسيان تبعات السقوط الناشئة عن تكلس الفكر في زمن الانهزامية والانكسار .. لذلك نشطت الحركة الفنية بكل أشكالها لقلب الهيكلة وإعادة التأهيل في حركة سريعة ظن أصحابها أن اللحاق بالركب يبدأ من هنا . وفي غياب الحظ واستراتيجية الوعي العربي أصبح ما تتقاضاه مطربة شقراء أضعاف ما يتقاضاه عالم باحث في سنة سوداء , أو جندي مجهول يقف مستعدا على خطوط النار . وهذا الكلام لن يغير من واقع " الموّال " ما دام الإنسان العربي يفكر بعواطفه . وبما أني في موقع " شاهد ما شافش حاجة " لذلك سأكتفي بقول نصري شمس الدين " هزي هالطربوش " تاركا بعض الناس يهزون ملابسهم , ومن كان منهم عريا من متاع الدنيا فعليه بنفض الشعر , وعلى الأخوة الصلعان أمثالي أن يضربوا رؤوسهم بالجدران تعبيرا عن النشوة العربية .
وبما أن " قديمك نديمك " .. فإني أرى أن الطرب العربي القديم كان أفضل حالا وحله , يأخذ بمجامع القلب فتتحرك فيه الآهات والأشجان وتذرف عبرات الواجدين على الأحباب . لذلك أقول بأن فيروز وأم كلثوم من الحناجر التي كانت تعرف تتكلم عربي . فكانت فيروز مطربة الصباح , وكانت أم كلثوم مطربة الليل . فمع كل إشراقة شمس حالمة كانت فيروز تبعث الأمل في النفوس .. حيث تغني للفجرية وشقشقة العصافير وحبات المطر والصيف والشتوية , وتدق أجراس العودة لمن يحلم بالعودة إلى أرض " أوعدك " . وحين يأتي المساء يذهب بكل أحلام فيروز , لتحمل " كوكب الشرق " هموم الشرق , فتكشف لكل التعساء حجب الحقيقة في إيقاعات وآهات تكاد تتكسر من زفراتها ضلوع البائسين .
وفي ذلك الزمن كان " عبدالوهاب " يقف على مفترق طرق ويقول " يا وابور قلي رايح على فين ؟ " .. وفي غياب التراحم كانت فيروز تنادي هناك " زوروني كل سنة مرة " .. لذلك ركب فريد الأطرش بساط الريح لرأب الصدع .. فكانت فايزة أحمد تتساءل : مين الغلطان .. مين الزعلان .. مين اللي كان الحق عليه ؟ . لكن عبدالحليم حافظ يلقي باللائمة على الزمن " قال إيه جاي الزمان يداوينا " . وفي غياب الحقيقة كانت فايزة أحمد تقول " إسألها أنت وحلفها .. على طول حتقولك هية ".
هذا وقد لعب الطرب دورا في معركة المصير .. فكان الصوت يسبق الصوت , حتى توهم البعض أن الحظ الأقشر قد قطع خط غرينتش غربا . فكانت نجاة الصغيرة تكشف خداع العاشقين فتقول " كفاك تلعب دور العاشقين معي " . فتأتي أم كلثوم لتختم المشهد بقولها " تايهين محناش حاسين " !
وبعد كل هذا العناء والغناء ماذا عساي أقول " على الطّرب دوّر أم على العرب دوّر " ؟!.
عظم الله أجرنا في الجامعة العربية .. وفي أمة أصبح أعلى ما في خيلها " أغنية " .
دمتم في رعاية الله