الدش والجوال وقيادة السيارة !
أتذكر الآن جيدا جارنا القديم الذي كان من أوائل الناس الذين جلبوا دشا إلى بيته، كان هذا الأمر قبل ما يقارب 14 سنة تقريبا، كان منظر الدش الستلايت فوق ظهر منزله مهيب ومخيف، كنا ننظر له بخوف شديد، والناس يلوكون في أفواههم قصصا وحكايات عن هذا الاختراع المرعب الذي يدس في أحشائه الكثير من الموبقات، والكثير من الأشياء التي يشيب لها الرأس، في تلك الأيام أجتمع شباب الحارة، بعدما سمعوا كل ما يقوله رجالات الحارة، من معاص، وذنوب، وموبقات يبثّها هذا الجهاز الكبير الذي يتربع سطح جارنا ذاك، وكان شباب الحارة يريدون أن يستأصلوا هذا الشيطان الذي يسكن بيننا، وكادوا في لحظة من لحظات النزوة أن يطلقوا عليه النار لكي يخرّبوه، لكن بعد مدة من الزمن بدأ أهل الحارة في التصالح مع هذا الكائن الغريب، والشيطان الرجيم، وأصبح كل من كان يدعو إلى قتل ذلك الشيطان الذي يدعى " دشا " يملك فوق ظهر منزله ما يقارب ثلاث صحون لثلاثة دشوش مختلفة باختلاف أقمارها!
الغريب في الأمر أن كثيرا من الوعاظ كان يقول بأن من يجلب الدش إلى بيته فهو " ديوث "، لا يملك أي معنى للكرامة والشرف، ونلاحظ الآن أن هؤلاء الوعاظ أو الأناس البسطاء هم من يملكون فوق ظهور منازلهم أكثر من دش واحد، فهل يمكننا أن نقول عن كل واحد منهم في هذه اللحظة يا " ديوث " ؟
وأتذكر حكاية أخرى، وهي حينما جاءت جوالات الكاميرا إلى السعودية كان هذه النقلة مثل الصدمة الحضارية لوعينا، ولما تربينا عليه، لذا كانت الكاميرا في الجوال تشبه إلى حد كبير من يحمل النار بين يديه، وكان أغلب المجتمع في صراع مع هذه الجوالات، وأنها ستكون سببا في انتشار الرذيلة، فحفاظا على صورتنا الملائكية الطهرانية يجب أن تمنع هذه الجوالات من البيع في الأسواق، وإلا يمكن أن يستخدمها الناس في نشر كل الأشياء الخاطئة التي ستساهم في تشويه صورتنا الملائكية، ولكن حينما جاء الأمر بالسماح باستخدام هذه الجوالات أصبح كل من يملك جوالا في هذا البلد يملك جوالا بكاميرا، فبات الجوال الذي لا يحمل كاميرا هو جوال معاق في أذهاننا، وبالتالي أصبح التعاطي مع كاميرا الجوال تعاطيا عاديا جدا، ولم تعد تشكّل كاميرا الجوال " بعبا " يرعبنا في منامنا وصحونا، ولم تعد الأفكار حول شيطان الكاميرا في الجوال مطروحة أساسا، وأصبحنا نتماهى مع كاميرا الجوال على أنها جزء من حياتنا لا يمكننا التخلي عنه، فغدا الأشخاص الذين كانوا من أوائل المحاربين للجوال من أوائل الناس ممن اشتروا جوالات بكاميرا، وربما تجد هذه الجوالات مع أبنائهم، وبناتهم، وزوجاتهم، ولم تعد الكاميرا شيطانا رجيما مثلما كان في السابق، وهذه الحقيقة لا يمكننا نكرانها إطلاقا.
وأعرف حكاية ثالثة، وهي أن الأحاديث تحوم هذه الأيام حول قيادة المرأة للسيارة، وأن قيادة المرأة لسيارتها يساهم في تربية الشيطان في أوساطنا، وأن هذا الشيطان سيكون سببا في افتراس النساء، وما حدث في حكاية الدش والجوال في البداية حدث مع قيادة المرأة للسيارة، حتى أن الكثير بدأ بكيل التهم لكل النساء المطالبات بقيادة السيارة بأنهن " عاهرات "، و " فاسقات "، لكني على ثقة مطلقة بأنه لو صدر أمر السماح بقيادة المرأة للسيارة، فأول من اتهم أولئك النسوة بمثل هذه الألفاظ، هم من سيقوم بشراء سيارات لبناتهم، ولزوجاتهم، ولن يشكّل الرعب الذي نعيشه الآن أي هاجس فيما بعد، لأن المسألة لا تتعلق بالدين، بقدر ما هو خوف ورعب من كل ما هو جديد في مجتمعنا.
إننا نعاني من أزمة في ضمائرنا، ومأزق كبير في وعينا، تجاه كل ما هو جديد، إننا الشعب الوحيد في العالم الذي ينظر بنظرة تشاؤمية سوداوية تجاه كل ما هو جديد، إن الفضيلة لا تهمنا إطلاقا، إن ما يهمنا هو صورتنا أن تبقى ملائكية حتى لو كنا نظهر الفضيلة على السطح بينما نبطن كل الرذائل في دواخلنا.
ثمة أمثلة كثيرة على هذا الأمر، ومنها جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حينما تم افتتاحها شنّ الكثير من الناس هجوما عليها بشكل لا يصدّق، لكنها الآن طموح كل أب وأم، أن يكون ابنه أو بنته من طلاب وطالبات هذه الجامعة.
لن أقول يجب أن ننظر إلى نصف الكأس المملوء وندع نصف الكأس الفارغ، لكني على ثقة مطلقة بأن من كانت أخته، أو بنته تذهب مع سائق خاص لعملها أو مدرستها، أو تقضي حاجيات المنزل مع هذا السائق، فهو يعيش في أزمة تجاه ضرورة الحياة، وتجاه هذا الرجل القادم من الخارج، ممن لا يعرف أخلاقه، ولا يعرف مبادئه، ولا يعرف قناعاته، لكني سأقول بكل ما أوتيت من وعي إن المرأة ليست كائنا خرافيا قادم من المريخ، إنها أمنا، وأختنا، وابنتنا، ومن المعيب جدا أن ننظر لها على أنها مخلوق هش، لا يدرك مصالحه، فكل ما هو مطلوب في هذه القضية أن نثق بنسائنا فقط، وأن نتيح لهم حرية الاختيار، مثلما حدث في زمن قديم حينما أمر الملك فيصل رحمه الله - بتعليم المرأة فاعترض الكثير على ذلك، فكان أمره حاسما فمن أراد أن يعلّم نساءه فالمدارس مفتوحة، ومن لم يرد فليس مجبورا على ذلك، ونلاحظ الآن أن كل بيت من بيوتنا يطمح لتعليم نسائه، فتعليم المرأة أمر لا جدل فيه أبدا، فلماذا تغيّرت القناعات تجاه تعليم المرأة عنها في السابق؟
إن قيادة المرأة للسيارة قضية تحتاج من المسؤولين أن يصدموا المجتمع بها ويسمحوا بها فقط، مثلها مثل الدش والجوال، عندها ستتذكرون كاتبا كتب في صحيفة ألكترونية بأن الأمر سيصبح أمرا عاديا جدا، لأنه لا يهمنا الفضيلة أبدا، إن الأمر بكل بساطة رعب وريبة وخوف تجاه كل ما هو جديد على وعينا فقط !
علوان السهيمي
Alwan_mohd@hotmail.com
أتذكر الآن جيدا جارنا القديم الذي كان من أوائل الناس الذين جلبوا دشا إلى بيته، كان هذا الأمر قبل ما يقارب 14 سنة تقريبا، كان منظر الدش الستلايت فوق ظهر منزله مهيب ومخيف، كنا ننظر له بخوف شديد، والناس يلوكون في أفواههم قصصا وحكايات عن هذا الاختراع المرعب الذي يدس في أحشائه الكثير من الموبقات، والكثير من الأشياء التي يشيب لها الرأس، في تلك الأيام أجتمع شباب الحارة، بعدما سمعوا كل ما يقوله رجالات الحارة، من معاص، وذنوب، وموبقات يبثّها هذا الجهاز الكبير الذي يتربع سطح جارنا ذاك، وكان شباب الحارة يريدون أن يستأصلوا هذا الشيطان الذي يسكن بيننا، وكادوا في لحظة من لحظات النزوة أن يطلقوا عليه النار لكي يخرّبوه، لكن بعد مدة من الزمن بدأ أهل الحارة في التصالح مع هذا الكائن الغريب، والشيطان الرجيم، وأصبح كل من كان يدعو إلى قتل ذلك الشيطان الذي يدعى " دشا " يملك فوق ظهر منزله ما يقارب ثلاث صحون لثلاثة دشوش مختلفة باختلاف أقمارها!
الغريب في الأمر أن كثيرا من الوعاظ كان يقول بأن من يجلب الدش إلى بيته فهو " ديوث "، لا يملك أي معنى للكرامة والشرف، ونلاحظ الآن أن هؤلاء الوعاظ أو الأناس البسطاء هم من يملكون فوق ظهور منازلهم أكثر من دش واحد، فهل يمكننا أن نقول عن كل واحد منهم في هذه اللحظة يا " ديوث " ؟
وأتذكر حكاية أخرى، وهي حينما جاءت جوالات الكاميرا إلى السعودية كان هذه النقلة مثل الصدمة الحضارية لوعينا، ولما تربينا عليه، لذا كانت الكاميرا في الجوال تشبه إلى حد كبير من يحمل النار بين يديه، وكان أغلب المجتمع في صراع مع هذه الجوالات، وأنها ستكون سببا في انتشار الرذيلة، فحفاظا على صورتنا الملائكية الطهرانية يجب أن تمنع هذه الجوالات من البيع في الأسواق، وإلا يمكن أن يستخدمها الناس في نشر كل الأشياء الخاطئة التي ستساهم في تشويه صورتنا الملائكية، ولكن حينما جاء الأمر بالسماح باستخدام هذه الجوالات أصبح كل من يملك جوالا في هذا البلد يملك جوالا بكاميرا، فبات الجوال الذي لا يحمل كاميرا هو جوال معاق في أذهاننا، وبالتالي أصبح التعاطي مع كاميرا الجوال تعاطيا عاديا جدا، ولم تعد تشكّل كاميرا الجوال " بعبا " يرعبنا في منامنا وصحونا، ولم تعد الأفكار حول شيطان الكاميرا في الجوال مطروحة أساسا، وأصبحنا نتماهى مع كاميرا الجوال على أنها جزء من حياتنا لا يمكننا التخلي عنه، فغدا الأشخاص الذين كانوا من أوائل المحاربين للجوال من أوائل الناس ممن اشتروا جوالات بكاميرا، وربما تجد هذه الجوالات مع أبنائهم، وبناتهم، وزوجاتهم، ولم تعد الكاميرا شيطانا رجيما مثلما كان في السابق، وهذه الحقيقة لا يمكننا نكرانها إطلاقا.
وأعرف حكاية ثالثة، وهي أن الأحاديث تحوم هذه الأيام حول قيادة المرأة للسيارة، وأن قيادة المرأة لسيارتها يساهم في تربية الشيطان في أوساطنا، وأن هذا الشيطان سيكون سببا في افتراس النساء، وما حدث في حكاية الدش والجوال في البداية حدث مع قيادة المرأة للسيارة، حتى أن الكثير بدأ بكيل التهم لكل النساء المطالبات بقيادة السيارة بأنهن " عاهرات "، و " فاسقات "، لكني على ثقة مطلقة بأنه لو صدر أمر السماح بقيادة المرأة للسيارة، فأول من اتهم أولئك النسوة بمثل هذه الألفاظ، هم من سيقوم بشراء سيارات لبناتهم، ولزوجاتهم، ولن يشكّل الرعب الذي نعيشه الآن أي هاجس فيما بعد، لأن المسألة لا تتعلق بالدين، بقدر ما هو خوف ورعب من كل ما هو جديد في مجتمعنا.
إننا نعاني من أزمة في ضمائرنا، ومأزق كبير في وعينا، تجاه كل ما هو جديد، إننا الشعب الوحيد في العالم الذي ينظر بنظرة تشاؤمية سوداوية تجاه كل ما هو جديد، إن الفضيلة لا تهمنا إطلاقا، إن ما يهمنا هو صورتنا أن تبقى ملائكية حتى لو كنا نظهر الفضيلة على السطح بينما نبطن كل الرذائل في دواخلنا.
ثمة أمثلة كثيرة على هذا الأمر، ومنها جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حينما تم افتتاحها شنّ الكثير من الناس هجوما عليها بشكل لا يصدّق، لكنها الآن طموح كل أب وأم، أن يكون ابنه أو بنته من طلاب وطالبات هذه الجامعة.
لن أقول يجب أن ننظر إلى نصف الكأس المملوء وندع نصف الكأس الفارغ، لكني على ثقة مطلقة بأن من كانت أخته، أو بنته تذهب مع سائق خاص لعملها أو مدرستها، أو تقضي حاجيات المنزل مع هذا السائق، فهو يعيش في أزمة تجاه ضرورة الحياة، وتجاه هذا الرجل القادم من الخارج، ممن لا يعرف أخلاقه، ولا يعرف مبادئه، ولا يعرف قناعاته، لكني سأقول بكل ما أوتيت من وعي إن المرأة ليست كائنا خرافيا قادم من المريخ، إنها أمنا، وأختنا، وابنتنا، ومن المعيب جدا أن ننظر لها على أنها مخلوق هش، لا يدرك مصالحه، فكل ما هو مطلوب في هذه القضية أن نثق بنسائنا فقط، وأن نتيح لهم حرية الاختيار، مثلما حدث في زمن قديم حينما أمر الملك فيصل رحمه الله - بتعليم المرأة فاعترض الكثير على ذلك، فكان أمره حاسما فمن أراد أن يعلّم نساءه فالمدارس مفتوحة، ومن لم يرد فليس مجبورا على ذلك، ونلاحظ الآن أن كل بيت من بيوتنا يطمح لتعليم نسائه، فتعليم المرأة أمر لا جدل فيه أبدا، فلماذا تغيّرت القناعات تجاه تعليم المرأة عنها في السابق؟
إن قيادة المرأة للسيارة قضية تحتاج من المسؤولين أن يصدموا المجتمع بها ويسمحوا بها فقط، مثلها مثل الدش والجوال، عندها ستتذكرون كاتبا كتب في صحيفة ألكترونية بأن الأمر سيصبح أمرا عاديا جدا، لأنه لا يهمنا الفضيلة أبدا، إن الأمر بكل بساطة رعب وريبة وخوف تجاه كل ما هو جديد على وعينا فقط !
علوان السهيمي
Alwan_mohd@hotmail.com