الحديث عن الطب والأطباء ذو شجون , يحتاج إلى آذان وعيون . وهنا حديث في مجلس ضم نخبة من كبار السن وكنت أستمع لأحدهم وهو يقول : مرضت مرضا شديدا ألزمني الفراش حولين كاملين . فأشار بعض الناس على قريب لي أن يحملني إلى طبيب وبعد إلحاح شديد حملني على بعير وذهب بي إلى عمان وأدخلني مستشفى هناك وقبل أن ينصرف ويتركني وحيدا أعطيته بعض الدراهم كي يشري لي معطفا حيث الفصل شتاء.لكنه غادر ولم يعد . ربما جال في خاطره أنني حتما سأموت .فمكثت في المستشفى مدة طويلة لم يأتني فيها زائر . وكان الطبيب الذي يتولى علاجي يعطيني كل يوم الأمل في الشفاء .. حتى إذا أنقضى الحول وقد رأيت في نفسي التحسن طلبت الخروج لكن الطبيب رفض . وبعد مضي شهرين بعد الحول جاءني الطبيب ذات صباح وهو يبتسم كعادته وقال لي : اليوم تذهب إلى أهلك .. فقمت من سريري فرحا وعانقت الطبيب .. ثم عدت إلى سريري وقد انكسر خاطري وكنت أفكر كيف السبيل إلى أهلي وليس معي أجرة الطريق ؟! فنظر إليَ الطبيب وكأنه أحسَ بما يجول في خلدي فتبسم وأخرج من جيبه بضعة دراهم وقال هذه أجرة الطريق , فنظرت إليه ورأيت أن كل قبلات البشر لن توفيه معروفه . فلملمت شعثي وقبل أن أغادر وضع الطبيب في يدي بضعة دراهم أخرى وقال : وهذه تشري بها ملابس جديدة , فعانقته وأنا أبكي وودعته الوداع الأخير .كان ذلك في أواخر الخمسينات من القرن الماضي .انتهى
كنت يومها صغيرا وأنا أستمع الى قصة الرجل بأذن صاغية فكانت مأساة لكني لن أتعرض لبقيتها . فالذي يهمني هنا موقف ذلك الطبيب الشهم الذي كان قلبه ينبض بالإنسانية والرحمة ذلك الموقف النبيل الذي غرس في نفسي الحب والتقدير للأطباء , وكنت أعتقد أنهم كلهم على هذه الشاكلة من الإنسانية والرحمة حتى إني تمنيت أن أصبح طبيبا . وقد ذكر الرجل في معرض حديثه أن ذلك الطبيب كان " أصلع " .. وحيث أن أول طبيب قابلته في حياتي كان أصلعا , ظننت أن الأطباء جميعهم صلعان , وأن الصلع دليل على العبقرية , فظل هذا الاعتقاد سائدا في نفسي وأنا صغير حتى دخلت إلى عالمهم أي عالم الأطباء , فوجدت أنَ منهم الصلعان ومنهم أصحاب الجدايل أو بالأصح أصحاب القرون , وأنَ من كلا الفريقين من لا تأخذه بالمريض إلَا ولا ذمة , حين يصبح الطب تجارة , والطبيب تاجراً ومروجاً , وحين يصبح الضمير قطعة كاوشوك كتلك التي ينتعلها الطبيب في قدميه . هنا لا بد للإنسان أن يصرخ في وجوه أولئك وبأعلى الصوت "أيقظوا ضمائركم " فمهنتكم من أشرف المهن .
نحن هنا لا نريد أن يصرف الأطباء ما في جيوبهم على مرضاهم .. نحن هنا نريد الإنسانية والضمير الحي وأن يحترم الطبيب اختصاصه فلا مجال أبدا حين يتعلق الأمر بالألم والأنين والدموع الى الطبيب " بتاع كله "
لست متحاملا على الأطباء لكني محمَل بألم وقصة مأساة لو سردتها هنا لأبكت القلب قبل العين .. وأنا هنا لا أريدكم أن تبكوا , أريدكم أن تبتسموا للحياة أيها الأحياء , وأما من مات بموت الضمير فعليه رحمة الله
دعوة من القلب صادقة لذلك الطبيب أن يجزيه الله خير الجزاء وتحية إلى أصحاب الضمائر الحية وإلى جميع الشرفاء في هذا العالم
كتبه
شتيوي العطوي
كنت يومها صغيرا وأنا أستمع الى قصة الرجل بأذن صاغية فكانت مأساة لكني لن أتعرض لبقيتها . فالذي يهمني هنا موقف ذلك الطبيب الشهم الذي كان قلبه ينبض بالإنسانية والرحمة ذلك الموقف النبيل الذي غرس في نفسي الحب والتقدير للأطباء , وكنت أعتقد أنهم كلهم على هذه الشاكلة من الإنسانية والرحمة حتى إني تمنيت أن أصبح طبيبا . وقد ذكر الرجل في معرض حديثه أن ذلك الطبيب كان " أصلع " .. وحيث أن أول طبيب قابلته في حياتي كان أصلعا , ظننت أن الأطباء جميعهم صلعان , وأن الصلع دليل على العبقرية , فظل هذا الاعتقاد سائدا في نفسي وأنا صغير حتى دخلت إلى عالمهم أي عالم الأطباء , فوجدت أنَ منهم الصلعان ومنهم أصحاب الجدايل أو بالأصح أصحاب القرون , وأنَ من كلا الفريقين من لا تأخذه بالمريض إلَا ولا ذمة , حين يصبح الطب تجارة , والطبيب تاجراً ومروجاً , وحين يصبح الضمير قطعة كاوشوك كتلك التي ينتعلها الطبيب في قدميه . هنا لا بد للإنسان أن يصرخ في وجوه أولئك وبأعلى الصوت "أيقظوا ضمائركم " فمهنتكم من أشرف المهن .
نحن هنا لا نريد أن يصرف الأطباء ما في جيوبهم على مرضاهم .. نحن هنا نريد الإنسانية والضمير الحي وأن يحترم الطبيب اختصاصه فلا مجال أبدا حين يتعلق الأمر بالألم والأنين والدموع الى الطبيب " بتاع كله "
لست متحاملا على الأطباء لكني محمَل بألم وقصة مأساة لو سردتها هنا لأبكت القلب قبل العين .. وأنا هنا لا أريدكم أن تبكوا , أريدكم أن تبتسموا للحياة أيها الأحياء , وأما من مات بموت الضمير فعليه رحمة الله
دعوة من القلب صادقة لذلك الطبيب أن يجزيه الله خير الجزاء وتحية إلى أصحاب الضمائر الحية وإلى جميع الشرفاء في هذا العالم
كتبه
شتيوي العطوي