لقد أخترت "الشعر" مادة أقرأها، وهواية ألوذ لها، وموضوع أتكلم عنه، لأنه؛ -برأيي على الأقل- الوجة الأجمل والأنبل للحضارة، الوجة الحي والمبتسم، الوجه الذي لا يعترف بمساحيق تجميلية تزيف ماقبح وتبرز ما زان، إنه يعكس لنا صورة مجتمعات قديمة ولا يرسمها، فشعر الجاهلية كما قال المؤرخون من قبل يكشف لنا عن روائع قيم أجدادنا القدماء وعن سوءاتهم على حد سواء، ولعلنا، بالمناسبة، نفند نظرية طه حسين القائلة بأنه شعر حديث لكنه منسوب للجاهليين، فهو كما يرى طه حسين يخالف ما ذُكر في القرآن والسنة بعدة نواح، أبرزها تتمثل في أن العرب -مثلاً- كانوا ذوي إيثار وتضحية، حيث أنهم في الجاهلية ينتقصون من الرجل الذي يضحي بماله أو نفسه أو اي مما يملك، ويرون في ذلك مهانة وذلّه. وفي هذا يقول علي الوردي، بأن القرآن ككتاب روحي، لن يذكر لنا سوؤاتهم بقدر ما سيقدّر فضائلهم، لكن الشعر الذي هو بدوره مرآه واقعهم، سيكشف لنا حالهم دون وعظِ إلهي أو توجيه نبوي...
إن الشعر، بل الأدب بوجه عام، هو ذو قيمة و معنى إلا إن كانت لصاحبة غاية أو منفعه من وراءه، ولعل هذه المنافع التي يقتاتها بعض الشعراء ممن لا يدركون قيمته، أعطبت سمعة الشعراء، وشوهّت مدارس الشعر، وكان الشعر كأبرز وجوه الحضارة ينتحر وينتحب
وقد حدث فعلا إنحدار بمستوى الشعر، وتباطؤ في تطوره، وكان ذلك بسبب الشعراء أنفسهم، ولعلنا بذلك نتذكر الامبراطور الروماني الطاغية نيرون والذي قتل كل شعراء روما وحين إنتهى من جز رأس آخر شاعر بالمدينة، صعد المنبر وقال متفاخراً، ضاحكاً: "هنيئاً لكم، لقد أرحت الدولة من أكذب المواطنين، وأرحت النساء من أكذب العشّاق".
ومما لا شك فيه أن للشعراء تأثير بالغ الأهمية على تفكير الناس، فقد ذكر علي الوردي بأحد صفحات كتابه"أسطورة الأدب الرفيع" أنه جاء عابر سبيل لرجل عجوز لديه خمس بنات لم تتزوج منهن أية واحدة رغم بلوغهن لسن الزواج، وكان، لحسن حظ المستضيف، أن هذا العابر، شاعر جزل، فإذا طلعت الشمس، أستيقظ العابر و ذهب لسوق يجتمع فيه شبان القرية وقال قصيدة بليغة عن أخلاق وعفة وكرم تلك العائلة وعن جمال وشرف بناتها، فلم يبق حينها رجل واحد لم يتقدم للزواج من أولئك الفتيات، وهذا دليل على تأثر الناس بالشعر فلم يحاول أحدهم، على ما ذكر الوردي، من التأكد مما قال الشاعر أو التحقق.
والشعر العربي على وجه الخصوص، رغم ما مرّ به من عقبات و عثرات فانه قد إستعاد حيويته ونهض من جديد فظهرت لنا مدارس شعرية عديدة، ورموز خالدة، مثل: نازك الملائكة واحمد شوقي وبدر السياب، وكنا، كقراء للتاريخ، نتسائل كيف يقدر بعض النقاد على وصف الشعراء بأنهم ليسو اصحاب رسالة في الحياة!
فهل هناك رسالة أعظم من الحرية؟ وقد تغنى بها فاروق جويدة قائلاً:
في الحلم مَوتيْ مع الجلاد مقصلتي
وبين موتي وحلمي، ينزف العُمرُ ..
لن يكسر القيد من لانت عزائمهُ
ولن ينال العُلا من شلّه الحذرُ ..
وهل هناك رسالة تفاؤل أصدق أو أعمق من تلك التي قالها الطغرائي:
أعلل النفس بالآمال أرقبها، ما أضيق العيش لولا فُسحة الأملِ
وغيرها الكثير
إن الشعر، بل الأدب بوجه عام، هو ذو قيمة و معنى إلا إن كانت لصاحبة غاية أو منفعه من وراءه، ولعل هذه المنافع التي يقتاتها بعض الشعراء ممن لا يدركون قيمته، أعطبت سمعة الشعراء، وشوهّت مدارس الشعر، وكان الشعر كأبرز وجوه الحضارة ينتحر وينتحب
وقد حدث فعلا إنحدار بمستوى الشعر، وتباطؤ في تطوره، وكان ذلك بسبب الشعراء أنفسهم، ولعلنا بذلك نتذكر الامبراطور الروماني الطاغية نيرون والذي قتل كل شعراء روما وحين إنتهى من جز رأس آخر شاعر بالمدينة، صعد المنبر وقال متفاخراً، ضاحكاً: "هنيئاً لكم، لقد أرحت الدولة من أكذب المواطنين، وأرحت النساء من أكذب العشّاق".
ومما لا شك فيه أن للشعراء تأثير بالغ الأهمية على تفكير الناس، فقد ذكر علي الوردي بأحد صفحات كتابه"أسطورة الأدب الرفيع" أنه جاء عابر سبيل لرجل عجوز لديه خمس بنات لم تتزوج منهن أية واحدة رغم بلوغهن لسن الزواج، وكان، لحسن حظ المستضيف، أن هذا العابر، شاعر جزل، فإذا طلعت الشمس، أستيقظ العابر و ذهب لسوق يجتمع فيه شبان القرية وقال قصيدة بليغة عن أخلاق وعفة وكرم تلك العائلة وعن جمال وشرف بناتها، فلم يبق حينها رجل واحد لم يتقدم للزواج من أولئك الفتيات، وهذا دليل على تأثر الناس بالشعر فلم يحاول أحدهم، على ما ذكر الوردي، من التأكد مما قال الشاعر أو التحقق.
والشعر العربي على وجه الخصوص، رغم ما مرّ به من عقبات و عثرات فانه قد إستعاد حيويته ونهض من جديد فظهرت لنا مدارس شعرية عديدة، ورموز خالدة، مثل: نازك الملائكة واحمد شوقي وبدر السياب، وكنا، كقراء للتاريخ، نتسائل كيف يقدر بعض النقاد على وصف الشعراء بأنهم ليسو اصحاب رسالة في الحياة!
فهل هناك رسالة أعظم من الحرية؟ وقد تغنى بها فاروق جويدة قائلاً:
في الحلم مَوتيْ مع الجلاد مقصلتي
وبين موتي وحلمي، ينزف العُمرُ ..
لن يكسر القيد من لانت عزائمهُ
ولن ينال العُلا من شلّه الحذرُ ..
وهل هناك رسالة تفاؤل أصدق أو أعمق من تلك التي قالها الطغرائي:
أعلل النفس بالآمال أرقبها، ما أضيق العيش لولا فُسحة الأملِ
وغيرها الكثير