القرية التي هي : حاضنة البحر [ 14 ]
/
( 2 / 3 )
حين وصولها للطوارئ وبعد الإنتظار الذي ليس بالقليل أتاها
أحد الأطباء وبثقة عالية في نفسه كثقة كسرى في صولجانه قام بفك تلك الجبيرة التي أتت بها من حقل تلفها
على قدمها بعد أن أوحى لها بأنها خاطئة مئة بالمئة ، بصمت بينها وبين نفسها تساءلت
عشرة أيام وتلك الجبيرة ملفوفة على قدمي بشكل خاطئ ياترى كيف هو حالهاوساقي الآن ،
هل انحرف مسارهما أم ماذا ؟ ثم تنبهت وسألته ماذا ستفعل الآن ؟
قال لها وهو يبتسم سنفك تلك الجبيرة ونضع آخرى ثم ستقومين وتذهبين للبيت ، وفرحت أيما فرح
كيف إنه سيدعها تغادر المستشفى بكل هذه السرعة ، همَّ بوضع جبيرته على ساقها
بمساعدة أحدالممرضين قائلا سامحيني إن قسوت عليك ولكنني سأضع بصمتي عليها ، أيضا تساءلت ماذا يعني
بتلك العبارة وهل وصل به الأمر لدرجة اعتقاده بأن تلك البصمة ستشفيها تماما .
وبعد الإنتهاء من تسجيل اجراءات الدخول المعتادة ، اقتادوهاومضت معهم مرغمة
مكرهه على مضض إلى أن أوصلوها احدى الغرف التي تكتظ بالمرضى
وعندما شاهدت أحوالهم حمدت الله على حالها ، هي الحياة عندما تريك مصائب غيرك
تشعر بأنك في رحمة من الله الذي لم يبتليك بأكثر مما أنت فيه .
هناك كل شئ يلوذ بصمت الإهمال المطبق وعدم العناية إلا مما يستوجب الضرورة
العناية في حدود الضروري والمطلوب والمكشوف وكل مايغيب عن عين الرقيب غائب عن عين العناية
الأسرّة ، أجهزة النداءات الفورية ، التكييف ، دورات المياة جميعها تغط في سبات عميق
وعلى المريض الصبر والتكيّف حتى اشعار آخر فالخدمات لا تتناسب مع حالة المرضى ولا مع ماتبذله
حكومتنا لوزارة الصحة والقانون يحمي المسؤولين والممرضين والمستخدمين أيضا .
بعد استقرارها بسويعات اتاها أحد الأطباء لتغيير الجبيرة التي تم وضعها في الطوارئ موحيا لها
بأنها يجب أن تُلف بشكل صحيح ، هنا تكالب عليها الخوف مع عدم الثقة في آن وهي تحدث نفسها
جبيرتان خلال ساعتين زمن وكل طبيب يدعي إن طريقته هي الأصح ، أين هو الصح ؟ أين هي الكفاءة ؟
وتعجب وعلامة استفهام وصمت ولاجواب ؟
جراحنا المعنوية نلملمها داخل قلوبنا ونغلفها بورق سلوفان وأحيانا نصدّرها بهجة ونصائحا للآخرين
ولكن جراح الجسد ماذا نفعل بها وكيف تلتئم لو لم تجد العناية الكافية والمثلى بها .
مرضى متعددون كل يروي حكايته ، وكل يبدئ رأيه وتذمره ويقول ملاحظاته ، ويعطي وصفاته
وزائرون يأتونك بالطعام والحب معاً رغم إن المستشفيات يجب أن لا يأتيها الطعام من الخارج فكل شئ هناك
يتوجب مراعاة حالة المريض الصحية وعاداتنا ترسخ جلب الأكل للمرضى حتى لو كان ذلك يضر بهم .
ولكن هي عادات كرسها المجتمع ونحتاج إلى زمن من الوعي كي نتخلص منها ونفصلها عن الحب والواجب .
في المستشفيات تشاهد أوضاعا انسانية متعددة تشعرك بأنك في أحد عنابر السجون
منها مايسليك ومنها ما يؤلمك ومنها مايشغلك ولكنك في كل الأحوال مجبرا على سماعها
إن لم يكن من باب المواساة لهم فهو من باب المشاركة في المكان
وعدم قدرتك على الإنصراف عنهم .
هي تقبع في سريرها بإنتظارالعملية التي باتت تقض مضجعها واضحت محتارة مابين محذر من الإقدام عليها
وناصح بمغادرة المستشفى فورا إلى آخر وبين مقدم لوصفة شعبية مجربة للتجبير ،
وآخر يرى التوكل على الله حلاً لتلك الحيرة .
وفي غمرة ذلك كله اتاها صوت تلك الصديقة الوفية تخبرها بأنها وصلت لأرض الوطن من ألمانيا
وقامت بعمل كل التجهيزات والإستعدادات لإستقبالها في الرياض في مركز الحبيب الطبي حيث عناية أكثر وأقوى ،
ترددت وهي لا تعلم سر ذلك التردد الذي جعلها ترفض هذا العرض المغري كما رفضت عرض تلك الصديقة
الأول للذهاب إلى ألمانيا ، وعللت ذلك التردد بينها وبين نفسها بأنه خيرة من الله واستمرت في انتظار
موعد العملية وهي صامته / خائفة ترجيه وتستخيره وكل ماحولها يحقنها بالقلق والحيرة
الذي لم يعتقها منه سوى التوكل علىه ، وتلك النبيلة المخلصة مازالت تلح عليها بعدم المكوث طويلا
والإتيان بأسرع وقت لإستدراك الوضع ،
زحام في الأفكار وازدحام في الحركة ، ليل نهار لا مكان للهدوء رغم إن المرضى أحوج الناس له ،
عاملات نظافة يزداد تواردهن على الغرف أثناء نوم المرضى ، ممرضات يؤدين عملهن المعتاد
من قياس ضغط وغيره ، كبيرات في السن أنينهن يتجاوز الحجرات كل ذلك في مكان واحد
جلبه وجلجله وصوت عويل وألم جراح كلها تمر في ليلك وأنت في انتظار الفرج / الخروج
بطاقة الخروج من المستشفى كأمر الإفراج عن سجين مع اختلاف الأوضاع
والأسباب والمسببات ولكن كلاهما حبيس ينتظر المغادرة ، هو ليل كجلمود صخر حطه السيل من عل
الأهل والصديقات يترددون عليها وهي في حيرة ، العملية وتقرير موعدها وقبوله بات أمرا يقض مضجعها ،
خمسة وعشرين يوما والحال كماهو ترقب / انتظار وتردد ثم حسمت أمرها أخيرا
ووافقت ، صيام منذ الثانية عشرة ليلا واستعدادا لإجراء العملية وقلق وعدم قدرة على النوم ، وبينما هي كذلك
أتت احدى الممرضات واخبرتها بأن طبيب التخدير يريد أن يراها ، قالت لها دعيه
يتفضل ، آتى وتناولها بالأسئلة المعتادة والمطلوبة وطمئنها ثم غادر ،
ومضى ليلها بين مطرقة الخوف وسندان الترقب حتى لاح الصباح بنوره وكالعادة جلبه وجلجله
واصوات الأطباء والممرضات والعاملات وكل ما من شأنه أن يدير دفة العمل فالصبح موعد حياة
في كل مكان فمابالك بمرضى يصارعون الموت متشبثين بالحياة ،
هي الآن في طور الإنتظار بعد أن اقتادوا زميلتها التي تجاورها في نفس الغرفة
أثناء تعرضها لحادث معلمات شهير ضجت به وسائل الإعلام دون أن تلتفت إليهن إدارة التعليم
حتى لو بباقة ورد وهن عائدات إلى حقل بعد انتهاء اجازة الإسبوع أوصلها إلى هذا القدر وإلى تلك المستشفى ، ذلك الطريق المهمل الخطير الذي يكاد يئن من الإنحرافات الخطيرة والإبل السائبة وما إلى ذلك من مخاطر
بات سببا لحوادث يومية بالجملة ، والذي منذ سنوات وأهالي قريتي يشتكون سوءه وخطورته
بعد أن أصبح يختطف صيده من أبناءهم وأسرهم كما يختطف قطاع الطرق مايشتهون من العابرين
ولا من ملتفتٍ لشكواهم ، فمازال الخونة في بلادي ينعمون باستراق حقوق المواطنين بلا مساءلة
وبلا تطبيق لقاعدة ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) ،
ومازالت تنتظر بعد تجهيزها لمشارط الجراحين وبعد توقيعها على ذلك العقد المبرم بينها وبين المستشفى
والذي يحمي المستشفى واطباءه من أي مساءلة قانونية ويلزم المريض الموافقة على كامل بنودة
دون قيد أو شرط كي يتم اجراء الجراحة ومن تلك البنود على سبيل الذكر :
وقد تم شرح طبيعة الإجراء الطبي أو الجراحي دون تعهد أو ضمان فيما يتعلق بالنتيجة أوالشفاء ،
وبند آخر يقول : تفويض المستشفى بالتصرف بأي عضو أو نسيج تم استئصاله مني ! ، < ( لا تعليق ) !
وفي تمام الثالثة والثلث عصرا أتاهاأحد الأطباء على استحياء يجر أذيال
الحرج وأخبرها بتأجيل موعد العملية بعد أن قال بشجاعة اوبلهجته الظريفة ( قلت بئه آخذ حبوب الشقاعة
وأخبٌرك ) .. إذا التأجيل ليس بالأمر الهين ، وتساءلت لماذا لم يخبرونني مبكرا
ثم قالت لنفسها وله لعل الأمر خيرة وابتسمت مما خفف على الطبيب مهمته ، وسألته هل سيتم اجراؤها غدا
واخبرها بأن غدا ليس دورهم وعليها الإنتظار إلى أن يأتي يوم الأحد الذي اصبح حديثا هو بداية أيام الإسبوع الرسمية
ثم ذهب مسرعا دون أن يُعقّب ، الخميس أتاها الطبيب القائد ترافقه المجموعة المعتادة
وبرر لها أسباب التأجيل ثم قال لها ستكونين يوم الأحد على رأس القائمة ، وذهب الخميس والجمعة وجاء السبت بليلة
الكئيب وصدرت الفرمانات بالصوم منذ الثانية عشرة استعدادا لدخول غرفة العمليات
في الغد الباكر وسلمت أمرها لله وامتثلت للتعليمات وجاء الغد المنتظر
ومضت السويعات وهي تنتظر وفي العاشرة والنصف أتاها القائد ومجموعته في جولته اليومية
والمعتادة على المرضى ، وسألها هل أنت مستعدة فأجابت بنعم فقال أقل من ساعة وستكونين
هناك يقصد في غرفة العمليات وشحذت عزمها بالدعاء لتهيئة نفسها وبقيت تنتظر
وتنتظر إلى إن طال الإنتظار وبلغ الزمن الثالثة والنصف بعد الظهر وهي وكل
من حولها في تعجب من كل ذلك التأخير إلى إن أتاها أحد الأطباء المجبرين على إبلاغها
رسالة التأجيل إلى أجلٍ غير مسمى عندها سألته وأين الطبيب فأجاب بأنه ذهب إلى بيته
عندها ثارة ثائرتها ولكنها ألتزمت الصمت وهي تتمنى أن تجد مبررا
لذلك الإهمال وعدم الإكتراث بمشاعر المرضى وصحتهم وأشار عليها بعض الموجودين
بتقديم شكوى لإدارة المستشفى ونظرت إليهم ولسان حالها يقول : لقد اسمعت لو ناديت حيا
ولاذت باللجوء إلى الله وهي تقول لعل في الأمر خيرة ولعلها دعوة أمي
في ذلك الصباح الباكر بأن يشفيني الله دون جراحة ..
وفي اليوم التالي آتى الطبيب القائد وبرر لها سبب تأجيل العملية بوجود ضغط
على المستشفى في استقبال الحالات العاجلة والتي تلزم التدخل
الفوري لإنقاذ حالة المصاب وقد كانت هناك حالة حرجة تستدعي ذلك ، وابتسمت مقتنعة بذلك العذر الإنساني
ثم قال لها توكلي على الله واستعدي غدا .. << يتبع
نحن قوم لا نشتكي حتى نشعر بإقتراب الموت ، وإذا شكونا
لا نجد استجابة ، هكذا نحن أيتها الحاضنة البعيدة
المبعدة من وعن كل قنوات التواصل والإتصال
إلا من اليسير القليل .
- يتبع -
أوراق تتناولها امرأة من حقيبة العمر
لتحتفظ بها في صناديق الذكريات
وتهديها لـ ملفات التاريخ
الورقة السابقة ↓↓
http://www.sada-tabuk.com/articles-a...ow-id-1004.htm
تويتر : @Saqyat3trً